وأجمعت الفقهاء أن السارق يقطع حُرَّا كانَ أو عبداً، وأن السارقة تقطع
حُرَّة كانت أو أمَة، وأجمعوا أن القطع من الرسغ، والرسغ المفصل بين الكف
والساعد، ويقال رُسْغ ورُصْغ والشين أجود
(جَزَاءً بِمَا كَسَبَا).
(جَزَاءً) نصبٌ لأنه مفعول به.
المعنى فاقْطَعوا بجزاءِ فعلهم.
وكذلك (نَكَالًا مِنَ اللَّهِ)، وإِنْ شئتَ كانا منصوبين على المصدر الذي دل عليه فاقطعوا، لأن معنى فاقطعوا جازوهم وَنكِّلُوا بهم.
* * *
وقوله جلَّ وعز: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٤١)
(يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ)
إِن شئت قلت يَحْزُنُك وَيحزَنْكَ بالفتح والضم.
أي لا يحزنك مُسَارَعَتهُمْ في الكفر إِذ كنت موعوداً بالنصر عليهم.
والله أعلم.
وقوله: (مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ).
أي لا تحزنك المسارعةُ في الكُفْر منَ المنَافِقين ومنَ الذِين هادُوا.
ثم قالَ: (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ).
هذا تمام الكلام، ورفع (سَمَّاعُونَ) من جهتين:
إحداهما هم (سَمَّاعُونَ) للكذب أي منافقون، واليهود سماعون للكذب.
و (سَمَّاعُونَ)، فيه وجهان - واللَّه أعلم -
أحدهما أنَّهم مسمعُونَ لِلكَذِبِ، أي قَابُلون للكَذب، لأن الِإنسان يسمع
الحق والبَاطِلَ، ولكن يقال: لا تسمع من فلان قوله أي لا تقبل قوله، ومنه
" سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَه "، أَي تَقَبَّل الله حمده، فتأويله أنهم يَقْبَلُونَ الكذِبَ.
والوجه الآخر في (سَمَّاعُونَ) أَن معناه أنهم يسمعون منك لِيَكذِبُوا عليك.
وذلك أَنهم إِذا جالسوه تهيأَ أن يقولوا سَمِعْنَا مِنْهُ كَذَا، وكَذَا.