(وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ (٢٠)
موضع " منْ " نصبٌ من جهتين إحداهما العطف على معايش، المعنى
وجعلناكم من لستم له برازقين، وجائزٌ أن يكون عطفاً على تأويل لكم.
المعنى (في جعلنا لكم فيها معايش) أعشناكم ومن لستم له برازقين.
وفي التفسير أن من لستم له برازقين الدوابُّ والأنْعَام. وقيل في بعض
التفسير الوُحُوش.
والنحويون يذهبون إلى أن " مَنْ " لَا يكادُ أن يكونَ لِغَيْرِ مَا
يعْقل، وقد قال عزَّ وجلَّ: (فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ)، فجاءت " من " لغير الناس إذ وُصِفَ غيْرُ الناس بصفاتهم، كما جاءت الواو لغير الناس في قوله
(وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ).
والأجود واللَّه أعلم أن يكون " مَنْ " ههنا أعني (وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ)
يراد بها العبيد والأنعام والدواب فيكون المعنى جعلناكم فيها معايش
وجعلنا لكم العبيد والدواب والأنعام وكفِيتُمْ مؤونة أرزاقها.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (٢٢)
(لَوَاقِحَ) تأتي بالسحاب، ولواقح تُلْقح السحاب وتُلْقِحَ الشَجر، وجاز أن
يقال للريح لقحَت إذا أتت بالخير، كما قيل لها عقيم إذا لم تأت بخير، وأتت
بعذاب، كما - قال عزَّ وجلَّ: (وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (٤١).
ويجوز أن يقال لها لواقح وإن لقحت غيرها لأن معناها النسب.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (٢٤)