(ما) في موضع رفع لا غير، المعنى سبحانه ولهم الشيءُ الذي يشتقون
كما قال: (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ).
فإن قال قائل لم لا يكون المعنى (ويجْعَلُونَ لَهُمْ ما يَشْتَهُونَ)؟
قيل العربُ تستعملُ في هذا الموضع: جعل لِنَفْسِهِ
ما يشتهي، ولا يقولون جَعَل زيد له ما يَشْتَهِي، وهو يعني نفسه.
ثم أعلم أنهمْ يَجْعَلُونَ للَّهِ البنات. فقال:
(وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (٥٨)
فيجعلون لمن يعترفون بأنه خالقهم البنَاتِ اللاتِي مَحَلهُن منهم هذا
المحل. ومعنى (ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا)، مُتَغيَراً تَغَيُّرَ مَغْمُوم.
ويقال لكل من لقِي مكروهاً: قد اسود وجهه غمًّا وحُزْناً.
ومِنْ ذلك قولك سوَّدْت وجه فُلَانٍ.
* * *
وقوله: (يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (٥٩)
قيل كان الرجل في الجاهلية إذا حزبَ امرأتَهُ المخاضُ توارى لكي يعلم
ما يُوَلَدَ لَهُ، فإن كان ذَكراً سُرَّ به وابْتهج، وإن كانت أنثى اكْتَأبَ بها وحَزِنَ، فمنهم من يَئدُ ولَدَهُ يَدْفِنُها حَية، أو يمسكها على كراهة وهَوَانٍ.
فقال اللَّه تعالى: (يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ).
أى ألَا سَاءَ حُكْمُهُمْ في ذلك الفِعْلِ وفي جعلهم للَّهِ البناتِ وجعلهم
لأنفسهمْ البنين، ونسْبِهم للَّهِ اتخاذ الوَلَد.
* * *
وقوله: (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ
[(٦١)]
معنى (عليها) على الأرض، ودل الِإضمار على الأرض لأن الدَوَابَّ إنما
هي على الأرْض.