فنذر إِنْ أبرأه اللَّه أن يترك أحبَّ الطعام والشراب إِليه.
وكان أحب الطعام والشراب إِليه لحومَ الِإبل وألبانَها، فحرم اللَّه ذلك عليهم بمعاصيهم كما قال:(فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ).
وأعلم الله أن الذي حرمه إسرائيل على نفسه كان من قبل أن تنزل
التوراة، وفيه أعظم آية للنبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه أنبأهم بأنهم يدعون أن في كتابهم ما ليس فيه، ودعاهم مع ذلك إِلى أن يأتوا بكتابهم فيتلوه لِيُبَينَ لهم كذبهم فأبوا.
فكان إِبَاؤُهم دليلاً على علمهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد صدق فيما أنبأهم به، ولو أتَوْا بِها لم يَكونوا يَخْلونَ من أحد أمرين: إما أن يزيدوا فيها ما ليس فيها في ذلك الوقتْ فيعلم بعضهم أنه قد زيد، أو ينزل اللَّه بهم عقوبة تبين أمرهم، أو أن يأتوا بها على جملتها فيعلم بطلان دعواهم منها. فقصتهم في هذه الآية كقصة النصارى في المباهلة.