كانَا في التَيه وأن الله جل اسمه سَهّل عليْهما ذلك كما سهَّل على إبراهيم النار
فجعلها عليه بَرداً وَسَلاماً وشأنها الإِحراق.
وقوله: (فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ).
جائز أن يكون هذا خطاباً لموسى، وجائز أن يكون خطاباً لمحمد - صلى الله عليه وسلم - أي لا تحزن على قوم لم يزل شأنهم المعاصي ومخالفة الرسل.
* * *
وقوله: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (٢٧)
قيلَ كانا رجلين من بني إسرائيل لأن القُرْبانَ كان تأكله النار فى زمن
بني إسرائيل، ومثل ذلك قوله: (إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ)
وقيل ابنا آدم لصلبه، أحدهما هابيل والآخر قابيل، فقربا قرباناً.
(فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ).
وكان الرجل إِذا قرب قُرباناً سجد وتَنْزِل النار فتأكل قربانه، فذلك علامة
قبول القُرْبان، فنزلت النار وأكلت قربان هابيل، ولم تأْكل قربان قَابِيل.
فحسده قابيل وتوعده بالقتل فقال:
(لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ).
المعنى قال الذي لم يُتَقبَّلْ منه لاقتلنك، وحذف ذكر الذي لم يتقبل
منه، لأن في الكلام دليلاً عليه، ومثل ذلك في الكلام إِذا رأيت الحاكم
والمظلوم كنت معه، المعنى كنت مع المظلوم، ويقال إِن السيف كان ممنوعاً
في ذلك الوقت كما كان حين كان النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكة وكما كان ممنوعاً في زمن عيسى، فقال:
(لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (٢٨)