وقوله: (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (٦٨)
وبِيوتاً. فمن قرأ بُيُوتاً بَالضم فهو القياس، مثل كعب وكُعُوب وقلْب
وقُلُوبُ، ومن قرأ بِيُوتاً بالكسر فهذا لم يذكر مثله أحَد من البَصْريينَ لأنهم لا
يجيزون مثله. ليس في الكلام مثل فِعُل ولَا فِعُول، والذين قرأوا به قلبوا
الضمة إلى الكسرة من أجل الياء التي بعْدَها.
ومعنى الوحي في اللغة على وجهين يرجعان إلى معنى الإِعْلامِ والإفهَام
فمن الوحي وَحْيُ الله إلى أنبيائه بما سمعت الملائكة من كلامه، ومنه الإلهام
كما قال اللَّه: (وَأخْرَجتِ الأرْضُ أثْقَالَهَا) إلى (بأن رَبَّكَ أوْحَى لَها)
معناهُ ألْهمَهَا. فاللَّه أوحى إلى كل دابَّة وذِي رُوح في التماس منافعها واجتناب مضارهَا، فذكر من ذلك أمر النحل.
وواحدُ النحْلِ نحلة، مثل نخل ونخلة - لأن فيها من لطيف الصنعة وبديع الخلق ما فيه أعظم معتبر بأنْ ألهمها اتخاذَ المنازل والمساكن، وأن تأكل من كل الثمرات على اختلاف طعومها. .
ثم سهل عليها سبيل ذلك فقال جلَّ وعزَّ: (ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٦٩)
أي قد ذللها اللَّهُ لك وسهل عليك مَسَالكَها.
ثم قال (يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ).
فهي تأكل الحامض والمرَّ وما لا يُوصَف طعمه فيُحِيلُ الله ذلك عَسَلاً
يخرج من بطونها إلا أنها تلقيه من أفواهها ولكنه قال: (مِنْ بُطونهَا) لأن
استحالة الأطعمة لا تكون إلا في البطون فيخرج بعضها من الفم كالريق الدائم