وقوله عزَّ وجلَّ: (قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ).
المعنى فيه أن من أيقن وطلب الحق فقد آتته الآيات البينات، نحو
المسلمين ومن لم يشاق من علماءِ إليهود، لأنه لما أتاهم - صلى الله عليه وسلم - بالآيات التي يُعْجَزُ عنها من أنبائهم بما لا يُعلم إلا من وحي، ونحو انشقاق القمر وآياته التي لا تحصى عليه السلام، والقرآن الذي قيل لهم فأتوا بسورة من مثله فعجزوا عن ذلك.
ففِي هذا برهان شافٍ.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ (١١٩)
نصب (بشيراً ونذيراً) على الحال، ومعنى بشيراً، أي مبشراً المؤمنين
بما لهم من الثواب، وينذر المخالفين بما أعد لهم من العقاب.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ).
وتقرأ (ولا تَسْألُ)، ورفع القراءتين جميعاً من جهتين، إحداهما أن
يكون (ولا تسأل) - استئنافاً، كأنَّه قيل ولست تسأل عن أصحاب الجحيم، كما قال عزَّ وجلَّ: (فإِنما عَلَيْكَ البَلَاغُ وعَلَيْنَا الحِسَابُ) ويجوز أن يكون له
الرفع على الحال، فيكون المعنى: أرسلناك غير سائل عن أصحاب الجحيم.
ويجوز أيضاً " ولا تَسْألْ عن أصحاب الجحيم "
وقد قرئ به فيكون جزماً بلا.
وفيه قولان على ما توجبه اللغة: أن يكون أمَرَهُ اللَّهُ بترك المسألة، ويجوز
أن يكون النهي لفظاً، ويكون المعنى على تفخيم ما أعد لهم من العقاب.
كما يقول لك القائل الذي تَعْلَمُ أنت أنه يجب أن يكون من تسأل عنه في حال جميلة أو حال قبيحة، فتقول لا تسأل عن فلان أي قد صار إلى أكثر مما
تريد، ويقال: سالته أسأله مسألة وسؤالاً، والمصادر على فُعَال تقِلُّ في غير