وقوله - جلَّ وعزَّ -: (لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (١٦٦)
القراءَة الرفع مع تخفيف " لكن "، والنصب جائز " لَكِنَّ الله يَشهَدُ، إِلا أنه
لا يقرأ بما يجوز في العربية إلا أن يَثْبُتَ به رواية عن الصحابة وقراء الأمصار.
ومعنى (لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ) يبين، لأن الشاهِدَ هو المبين لما
يشهَدُ به. فاللَّه جلَّ وعزَّ يبينه ويعلم مع إبانتهِ أنه حق.
(وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا)
معناه: وكفى الله شهيداً، والباءُ دخلت مَؤكدة، المعنى اكتفوا باللَّه في
شهادته، ومعنى (أنْزَلَهُ بعِلْمِه) أي أنزل القرآن الذي فيه علْمُه.
وقوله: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (١٧٠)
(فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ).
اختلف أهل العربية في تفسير نصب " خير "، فقال الكسائي: انتصب
لخروجه من الكلام، قال: وهذا تقوله العرب في الكلام التام نحو قولك
لتقومَنَّ خيراً لك، فإِذا كان الكلام ناقصاً رفعوا فقالوا: إِن تنته خير لك. وقال الفَراءُ: انتصب هذا وقوله (خَيْرًا لَكُمْ) لأنه متصل بالأمر وهو من صفته، ألا ترى أنك تقول انته هو خير لك فلما سقطت هو اتصل بما قبله، وهو معرفة فانتصب، ولم يقل هُو ولَا الكسائِي من أي المنصوبات هو، ولا شرحوه بأكثر من هذا.
وقال الخليل وجميع البصريين: إِنَّ هذا محمول على معنا، لأنك إِذا
قلت: انْتَه خيْراً فأنت تدفعه عن أمر وتدخِله في غيره، كأنك قلت انْتَهِ وائتِ خيرٌ لك وادخُلْ فيما هوخير لك.
وأنشد الخليل وسيبويه قول عمر بن أبي ربيعة: