للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وعلى معنى فالذي يَِدرَأُ عنها العَذَابَ أَنْ يَشْهَدَ أَحَدُهم أَرْبَعَ شهاداتٍ

* * *

(والخَامِسَةُ أَن لَعْنَةَ الله عَلَيْهِ).

ويجوز والخامِسَةَ أَن لَعْنَةَ اللَّه عليه، وكذلك والخَامِسَةُ أَنَ غضبَ اللَّهِ

عليها، والخامِسَةَ جميعاً، فمن قال: والخامِسَةَ فعلى مَعْنَى وَيَشْهَدُ الخامِسَةَ.

فإذا قَذَف القاذِفُ امرأَتَه، فشهادَتُه أَن يَقُولَ: أَشْهَدُ باللَّه إني لَمِنَ

الصادِقِينَ فِيمَا قَذَفْتُها بِهِ، أو يقول: أحلف باللَّهِ إني لمن الصادِقينَ فِيما قَذَفْتُها به، أَرْبَعَ مَراتٍ، ويقول في الخامِسَةِ لعنة اللَّه عليه إن كان من الكَاذبين.

وكذلك تقولُ المرأَةُ: أَشْهَدُ بِالله إئهُ لِمنَ الكاذبين فيما قذفني به، أربع

مرات، وتقول في الخامِسَةِ: وعَلَيَّ غَضَبُ الله إن كان من الصادقين.

وهذا هو اللِّعَانُ، فإذا تلاعنا فُرقَ بينهما، واعتدَّت عِدَّةَ المطلَّقَةِ من وقتها ذلك.

فإذا فعلا ذلك لم يَتَزوجْهَا أبداً في قول أكثر الفقهاء من أهل الحجاز وبعضُ

الكوفيين يُتابِعُهُمْ، وهو أبو يوسُفَ، والقياسُ ما عليه أهل الحجاز، لأن القاذفَ قَذَفَها بالزِّنَا، فهو لا ينبغي له أن يتزوَّج بزانيةٍ، وليس يظهر لهذا تَوْبَةٌ، واللِّعَانُ لا يكون إلا بحاكم من حكام المسلمين (١).

* * *

وقوله تعالى: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ

[(١٠)]

ههنا جواب لولا متروك، والمعنى - واللَّهُ أعلم - ولولا فضلُ الله عليكم

لنال الكاذب لما ذكرنا عَذابٌ عظيم، ويدل عليه: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (١٤).

* * *

وقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (١١)

معنى الِإفك ههنا الكذبُ. وقد سُمِّيَ بعضُهُمْ في الآثار، وَلَمْ يُسمَّوْا في


(١) قال السَّمين:
قوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَّهُمْ شُهَدَآءُ إِلاَّ أَنفُسُهُمْ}: في رفع «أنفسهم» وجهان، أحدُهما: أنه بدلٌ مِنْ «شهداء»، ولم يذكر الزمخشري في غضونِ كلامِه غيرَه. والثاني: أنه نعتٌ له، على أنَّ «إلاَّ» بمعنى «غير». قال أبو البقاء: «ولو قُرىء بالنصبِ لجاز على أن يكونَ خبرَ كان، أو منصوباً على الاستثناء. وإنما كان الرفعُ هنا أقوى؛ لأنَّ» إلاَّ «هنا صفةٌ للنكرةِ كما ذَكْرنا في سورة الأنبياء». قلت: وعلى قراءةِ الرفعِ يُحتمل أَنْ تكونَ «كان» ناقصةً، وخبرُها الجارُّ، وأَنْ تكونَ تامةً أي: ولم يُوجَدْ لهم شهداءُ.
وقرأ العامَّةُ «يكن» بالياءِ من تحتُ، وهو الفصيحُ؛ لأنه إذا أُسْنِد الفعلُ لِما بعدَ «إلاَّ» على سبيلِ التفريغ وَجَبَ عند بعضِهم التذكيرُ في الفعل نحو: «ما قام إلاَّ هندٌ» ولا يجوز: ما قامَتْ، إلاَّ في ضرورة كقوله:
٣٤٣٣. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . وما بَقِيَتْ إلاَّ الضلوعُ الجَراشعُ
أو في شذوذٍ كقراءةِ الحسنِ: «لا ترى إلاَّ مَساكنُهم» وقرىء «ولم تَكُنْ» بالتاءِ من فوقُ وقد عَرَفْتَ ما فيه.
قوله: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ} في رفعِها ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: أن يكونَ مبتدأ، وخبرُه مقدرُ التقديمِ أي: فعليهم شهادة، أو مُؤَخَّرهُ أي: فشهادة أحدِهم كافيةٌ أو واجبةٌ. الثاني: أن يكون خبرَ مبتدأ مضمرٍ أي: فالجوابُ شهادةُ أحدِهم. الثالث: أن يكونَ فاعلاً بفعلٍ مقدرٍ أي: فيكفي. والمصدرُ هنا مضافٌ للفاعلِ.
وقرأ العامَّةُ «أربعَ شهاداتٍ» بالنصبِ على المصدر. والعاملُ فيه «شهادة» فالناصبُ للمصدرِ مصدرٌ مثلُه، كما تقدَّم في قولِه {فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاءً مَّوْفُوراً} [الإسراء: ٦٣]. وقرأ الأخَوان وحفصٌ برفع «أربع» على أنها خبرُ المبتدأ، وهو قوله: «فشهادة».
ويتخرَّجُ على القراءاتين تعلُّقُ الجارِّ في قوله: «بالله»، فعلى قراءةِ النصبِ يجوزُ فيه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: أَنْ يتعلَّقَ بشهادات؛ لأنه أقربُ إليه. والثاني: أنه متعلِّقٌ بقوله: «فشهادةُ» أي: فشهادةُ أحدِهم بالله. ولا يَضُرُّ الفصلُ ب «أربع» لأنها معلومةٌ للمصدرِ فليسَتْ أجنبيةً. والثالث: أن المسألةَ من باب التنازعِ؛ فإنَّ كلاً مِنْ شهادة وشهادات تَطْلُبه من حيث المَعنى، وتكون المسألةُ من إعْمال الثاني للحَذْفِ من الأول، وهو مختار البصريين. وعلى قراءةِ الرفعِ يتعيَّن تَعَلُّقُه بشهادات؛ إذ لو عَلَّقْتَه بشهادة لَزِمَ الفصلُ بين المصدرِ ومعمولِه بالجرِّ، ولا يجوزُ لأنه أجنبيٌّ. ولم يُختلفْ في «أربع» الثانية وهي قولُه «أَنْ تَشْهد أربعَ شهاداتٍ أنها منصوبةٌ للتصريح بالعاملِ فيها. وهو الفعلُ.
قوله: {والخامسة}: اتفق السبعةُ على رفع الخامسة الأولى، واختلفوا في الثانية: فنصبها حفصٌ، ونَصَبهما معاً الحسنُ والسلمي وطلحة والأعمش. فالرفعُ على الابتداءِ، وما بعده مِنْ «أنَّ» وما في حَيِّزها الخبرُ. وأمَّا نصبُ الأولى فعلى قراءةِ مَنْ نصبٍ «أربعَ شهادات» يكون النصبُ للعطفِ على المنصوبِ قبلها. وعلى قراءةِ مَنْ رَفَعَ يكونُ النصبُ بفعلٍ مقدرٍ أي: ويَشْهَدُ الخامسةَ. وأمَّا نصبُ الثانيةِ فعطفٌ على ما قبلَها من المنصوبِ وهو «أربع شهادات». والنصبُ هنا أقوى منه في الأولى لقوةِ النصبِ فيما قبلَها كما تقدَّم تقريرُه: ولذلك لم يُخْتَلَفْ فيه. وأمَّا «أنَّ» وما في حَيِّزها: فعلى قراءةِ الرفعِ تكونُ في محلِّ رفعٍ خبراً للمبتدأ كما تقدَّم، وعلى قراءةِ النصبِ تكونُ على إسقاطِ الخافضِ، ويتعلَّقُ الخافضُ بذلك الناصبِ للخامسةِ أي: ويشهد الخامسةَ بأنَّ لعنةَ الله وبأنَّ غضبَ اللهِ. وجَوَّز أبو البقاء أن يكونَ بدلاً من الخامسة.
قوله: {أَنَّ لَعْنَةَ الله عَلَيْهِ} قرأ العامَّةُ بتشديد «أنَّ» في الموضعين. وقرأ نافعٌ بتخفيفها في الموضعين، إلاَّ أنه يقرأ «غَضِبَ اللهُ» بجَعْلِ «غَضِبَ» فعلاً ماضياً، والجلالة فاعلَه. كذا نقل الشيخ عنه التخفيفَ في الأولى أيضاً، ولم ينقُلْه غيره. فعلى قراءتِه يكون اسمُ «أنْ» ضميرَ الشأنِ في الموضعين، و «لعنةُ الله» مبتدأ و «عليه» خبرُها. والجملةُ خبرُ «أنْ». وفي الثانية يكون «غضِبَ الله» جملةً فعليةً في محل خبر «أنْ» أيضاً، ولكنه يقال: يلزمُكم أحدُ أَمْرَيْن، وهو إمَّا عَدَمُ الفصلِ بين المخففةِ والفعلِ الواقعِ خبراً، وإمَّا وقوعُ الطلبِ خبراً في هذا البابِ وهو ممتنعٌ. تقريرُ ذلك: أنَّ خبرَ المخففةِ متى كان فعلاً متصرفاً/ غير مقرونٍ ب «قد» وَجَبَ الفصلُ بينهما. بما تقدَّم في سورة المائدة. فإنْ أُجيب بأنه دعاءٌ اعتُرِض بأنَّ الدعاءَ طلبٌ، وقد نَصُّوا على أنَّ الجملَ الطلبيةَ لا تقع خبراً ل «إنَّ». حتى تأوَّلوا قولَه:
٣٤٣٤. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . إنَّ الرِّياضةَ لا تُنْصِبْك للشَّيْبِ
وقوله:
٣٤٣٥ إنَّ الذينَ قَتَلْتُمْ أمسِ سَيِّدَهُمْ. . . لا تَحْسَبوا ليلَهم عن ليلِكم ناما
على إضمارِ القول. ومثلُه {أَن بُورِكَ مَن فِي النار} [النمل: ٨]. وقرأ الحسن وأبو رجاء وقتادة والسلميُّ وعيسى بتخفيف «أنْ و» غَضَبُ الله «بالرفع على الابتداء، والجارُّ بعدَه خبرُه. والجملةُ خبرُ» أنْ «.
وقال ابنُ عطية:» وأنْ الخفيفةُ على قراءة الرفعِ في قوله: «أَنْ غَضِبَ» وقد وليها الفعلُ. قال أبو علي: «وأهلُ العربيةِ يَسْتَقْبِحون أَنْ يليَها الفعلُ إلاَّ بأَنْ يُفْصل بينها وبينه بشيء نحو قولِه {عَلِمَ أَن سَيَكُونُ} [المزمل: ٢٠] {أَفَلاَ يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ} [طه: ٨٩] فأمَّا قولُه: {وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ} [النجم: ٣٩] فذلك لقلةِ تمكُّنِ» ليس «في الأفعال. وأمَّا قولُه: {أَن بُورِكَ مَن فِي النار} ف» بُوْرِكَ «في معنى الدعاء فلم يَجىءْ دخولُ الفاصلِ لئلا يَفْسُدَ المعنى». قلت: فظاهرُ هذا أنَّ «غَضِبَ» ليس دعاءً، بل هو خبرٌ عن «غَضَِبَ الله عليها» والظاهرُ أنه دعاءٌ، كما أنَّ «بُورك» كذلك. وليس المعنى على الإِخبارِ فيهما فاعتراضُ أبي علي ومتابعةُ أبي محمد له ليسا بمَرْضِيَّيْنِ. اهـ (الدُّرُّ المصُون)

<<  <  ج: ص:  >  >>