وتأويل (وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا) - واللَّه عزَّ وجلَّ - قد علمهم قبل ذلك:
معناه يعلم ذلك واقعاً منهم - كما قال عز وجل - (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ).
أي ليقع ما علمناه غيبأ مشاهدة للناس، ويقع - منكم. وإنما تقع المجازاة
على ما علمه اللَّه من الخلق وقوعاً على ما لم يقع وما لم يعلموه -
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ).
وقال: (إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (١٤١)
المعنى جعل اللَّه الأيام مداولة بين الناس ليمحص المؤْمنين بما يقع
عليهم من قتلَ في حربهم، أو ألم أو ذهابَ مال، ويمحق الكافرين:
ليستأصلهم.
وجائز أن يكون يمحقهم يحبط أعمالهم، وتأويل المحص في
اللغة التنْقِيَةُ والتخليص.
قال محمد بن يزيد - رحمه اللَّه - يقال مَحَصَ الحبل مَحْصاً، إذا ذَهَبَ منه الوَبرُ حتى يَمْلَصَ وحبل مَحِصٌ أو مَلِصٌ بمعنى واحد.
قال وتأويل قول الناس: مَحِّصْ عَنا ذُنُوبَنَا: أي أذهِب عنا ما تعلق بنا
من الذنوب.
وأخبرنا محمد بن يزيد أن حُنَيْفَ الحَنَاتِمِ ورَدَ ماءً يُقال له (طُويلِع)
فقال: " واللَّه إنك لَمَحِصُ الرشا بعيد المستقي مظل على الأعداء ولو سألتني
أعناق الإبل لأعطيتك "
أي لو تقطعت أعناق الِإبل إليك لقصدتك.
ومعنى مَحص الرشَاءِ أي هو طين خر، فالرشا تَتَمَلصُ من اليد.
فمعنى يمحِّص