للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله: (وَلذَلِكَ خَلَقَهُمْ).

أي خَلَقَهُمْ للسعادة والشقاء، فاختلافهم في الدِّين يؤدي بهم إلى سعادة أو

شَقَاء.

وقيل: ولذلكَ خَلَقَهُمْ أي لرحمته خَلَقَهم، لقوله (إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ).

والقوْلُ الأول يدل عليه.

(وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ).

(لَأَمْلَأَنَّ) لَفْظُ القَسمِ، أيْ فتمَّ قَولُه (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ) (١).

* * *

(وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (١٢٠)

(كُلًّا) منصوب بـ (نَقُصُّ)، المعنى وكل الذي يُحتاجُ إليه من أنباء الرسل

نقُص عليْكَ.

و" ما " منصوبة بدل من كل.

المعنى: نقص عليك ما نُثبتُ به فؤادك.

ومعنى تَثْبِيْتُ الفؤادِ تسكين القلب، وهو ههنا ليس للشك، ولكن كلما كان الدلالة والبرهان أكثر كان القلب أثبت كما قال إبراهيم:

(وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي).

(وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ).

يجوز أن يكون وجاءك في هذه السُّورة، لأن فيها أقاصيص الأنبياء

ومواعظ وذكر مَا فِي الجنَّةِ والنَّارِ.

ويجوز أن يكون قوله: (وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ).

أي في ذكري هذه الآيات التي ذُكِرَتْ قبل هذا الموضع.

أي جاءك الحق في أن الخَلقَ يُجَازَوْنَ بأنْصِبَائِهِمْ في قوله:

(وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ)، وَفِي قَوله: (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ).


(١) قال الإمام زين الدين محمد بن أبى بكر الرَّازى
فإن قيل: قوله تعالى: (وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ) إشارة إلى ماذا؟
قلنا: قلنا هو إشارة إلى ما عليه الفريقان من حال الاختلاف، أهل الرحمة
للرحمة، وقد فسره ابن عباس رضى ألله عنهما فقال: خلقهم فريقين فريق رحمهم فلم يختلفوا، وفريق لم يرحمهم فاختلفوا، وقيل: هو إشارة إلى معنى الرحمة وهو الترحم وعلى هذا يكون الضمير في خلقهم للذين رحمهم فلم يختلفوا وقيل: هو إشارة إلى الاختلاف والضمير في خلقهم للمختلفين، واللام على الوجه الأول والثالث لام العاقبة والضرورة لا لام كى وهى التى تسمى لام الغرض والمقصود، لأن الخلق للاختلاف في الدين لا يليق بالحكمة، ونظير هذه اللام قوله تعالى: (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا).
وقول الشاعر:
لدوا للموت وابنوا للخراب. . . فكلكم يصير إلى التراب
وقيل: إنها لام التمكين والاقتدار كما في قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا) وقوله تعالى: (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا) والتكمين والاقتدار حاصل، وإن لم يسكن بعض الناس في الليل، ولم يركب بعض هذه الدواب، ومعنى التمكين والاقتدار هنا أنه سبحانه وتعالى أقدرهم على قبول حكم الاختلاف ومكنهم منه، وقيل: اللام هنا بمعنى على، كما في قوله تعالى: (وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) وقول تعالى: (يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا).
أهـ {أنموذج جليل في أسئلةٍ وأجوبةٍ عن غرائبِ آي التنزيل صـ ٢١٣ - ٢١٤}

<<  <  ج: ص:  >  >>