روي أن اللَّه - جل ثناؤه - جعل لكل امْرِئ بَيْتاً في الجَنَّةِ وَبَيْتاً في النَّارِ
فمن عَمِلَ عَمَلَ أهلَ النَّارِ وَرِث بيتَه مِنَ الجَنَّةِ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ أهلِ الجَنَّةِ، ومن
عَمِلَ عَمَلَ أهْلِ الجنَّة ورث بيته من النار من عَمِلَ عَمَل أهل النَّارِ، والفِرْدَوْس: أصله رُومي أعرب وهو البسْتَان، كذلك جاء في التفسير.
وقد قيل إنَّ الفِرْدَوْس يعرفه العَرَب، وسُمِّى الموضِع الذي فيه كرم فردوساً.
قال أبو إسحاق: روينا عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبل رحمه الله في كتابه " كتاب
التفسير "، وهو ما أجازه لي عبد الله ابنه عنه أن اللَّه عزَّ وجلَّ، بنى جَنَّةَ
الفِرْدَوْسِ لَبِنةً من ذهب ولَبِنةً من فِضةٍ، وجَعَلَ جِبَالها المِسْكَ الأذْفَر.
ورَوينَا عن غيره أن اللَّه - جَلَّ ثناؤه - كنس جَنّة الفردَوْسِ بِيدِه، وبناها لبنةً من ذهب مُصَفًّى ولبنةً مِنْ مِسْكٍ مذَرًّى، وغرس فيها مِنْ جَيِّدِ الفَاكِهَةِ وَجَيِّد الريْحَانِ.
* * *
قوله تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢)
سُلَالَة: فعالة. فخلق اللَّه آدم - عليه السلام - مِنْ طِينٍ.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (١٣)
على هذا القول يَعْنِي وَلَدَ آدم.
وِقيل مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طينٍ، من مَنِيِّ آدم - صلى الله عليه وسلم -
وسُلَالَة: القليل فيما يَنْسَلُ. وكل مَبْنَى عَلَى فُعالة، يراد به القليل.
فمن ذلك الفُضَالَة والنُّخَالة والقُلاَمَة. فَعَلَى هذَا قياسُه.
* * *
وقوله: (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ
[(١٤)]
(فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا)
وتقرأ على أرْبَعةِ أوْجهٍ:
أحدها ما ذكرنا. وتقرأ: (فَخَلَقنا المضغة عَظْماً فكسونا العَظْمَ لحماً)
ويقرأ: (فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العَظْمَ لحماً)
ويقرأ: (فخلقنا المضغة عَظْماً فكسونا العظام لحماً).
والتوحيد والجمع ههنا جائزان، لأنه يُعْلم أن الإنسانَ ذُو عظام، فإِذَا ذُكِرَ على التوحيد فِلأنه يَدلُّ على