وصف اللَّه عزَّ وجلَّ: أكلَهُمُ السحْت وخيانتهم، وقد قيل في التفسير:
إنهم عاملوا قوماً من المشركين فلما انتقلوا إلى الإسلام قالوا ليس علينا لكم
سبيل إنما عاملناكم وأنتم على دينكم ذلك. فأعلم اللَّه أنهم يكذبون، قال
عزَّ وجلَّ: (ويقُولُونَ على اللَّهِ الكَذِبَ وهُمْ يعْلَمُونَ).
أي وهم يعلمون أئهم يَكْذِبُونَ. فرد اللَّه قولهم فقال: ِ (بَلَى): وهو
عندي - واللَّه - أعلم - وقف التمام، ثم استأنف فقال عزَّ وجلَّ:
(مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٧٦)
أي فإن اللَّه يحبه، ويجوز أن يكون استأنف
جملة الكلام بقوله بلى لأن قولهم: ليس علينا فيما نفعل جناح.
كقولهم نحن أهل تقوى في فعلنا هذا - فأعْلَمَ اللَّه أن أهل الوفاءِ بالعهد والتُّقَى يحبهم اللَّه، وأنهم المتقون، أي الذين يتقون الخيانة والكفر بالنبي - صلى الله عليه وسلم -.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٧٧)
(أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ)
هذه الجملة خبر (إِنَّ)، ومعنى الخَلاق النصيب الوافر من الخير.
ومعنى قوله: (لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ):
في قوله: (لا يكلمهم الله) وجهان.
أحدهما أن يكون إسْماع الله أولياءَه كلامه بغير سفير، خصوصية يخص اللَّه بها أولياءَه كما كلم موسى فكان ذلك خصوصية له دون البشر أجمعين، وجائز أن يكون (ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم) تأويله الغضب عليهم، والإعراض عنهم كما تقول: " فلان لا ينظر إلى فلان ولا يكلمه، وتأويله أنه غضبان عليه، وإن كلمه بكلام سوء لم ينقض ذلك.
ومعنى (وَلَا يُزَكيهِمْ): لا يجعلهم طاهرين ولا يثني عليهم خيراً.
ومعنى (عَذَابٌ أَلِيمٌ): أي موجع.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٧٨)
هذه اللام في (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا) تؤكد الكلام زيادة على توكيد (إِنَّ) لأن