للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقرئت (سَبْخاً) بالخاء معجمة، والقراءة بالحاء غيرمعجمة، ومعنى

(سبخاً) صحيح في اللغة، يقال للقطعة من القطن سبخة، ويقال سبخت

القطن بمعنى نفشته، ومعنى نَفشتُه وسَعتُه، فالمعنى على ذلك أن لك في

النهار توسُّعاً طويلا، وَمَعْناه قريب من معنى السبح (١).

(وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا)

المعنى واذكر اسم ربك بالنهار، ومعنى (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ) انقَطِعِ إليه في العِبَادَةِ

ومن هذا قيل لمريم عليها السلام البتول لأنها انقطعت إلى اللَه جل ثناؤه في

العبادة، وكذلك صدقة بتلة منقطعة من مال المصدق وخارجة إلى سُبُل اللَّه.

والأصل في المصدر في تبتل تَبتَّلْتُ تَبْتِيلًا، وبَتلْتُ تبتيلًا، فتبتيلاً محمول

على معنى تَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا.

* * *

قوله: (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (٩)

أي اتخذه كفيلاً بما وعدك.

* * *

وقوله: (وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا (١٠)

هذا يدل - واللَّه أعلم - قبل أن يؤمر المسلمون بالقتال.

* * *

(وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا (١١)

ومثله: (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (١١).

فإن قال قائل ما مجاز ذَرْني؟ واللَّه - عزَّ وجلَّ - يفعل ما يشاء، لا يحول

بينه وبينٍ إرادته حائل؟

فالجواب في ذلك أن العرب إذا أرادت أن تَأْمُرَ الإنسان بأَن له همة بأمْرٍ أو بإنْسَانٍ تقول: دعني وزيداً، ليس أنه حال بينه وبَيْنَ

زَيدٍ أَحَدٌ، ولكن تأويله لا تَهْتَمَّ بزيدٍ فإني أكفيكه.

* * *

وقوله: (إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا (١٢)

الأنكال واحدها نِكْل.

وجاء في التفسير أنه ههنا قُيُودٌ مِنْ نَارٍ.


(١) قال السَّمين:
قوله: {سَبْحَاً}: العامَّةُ على الحاء المهملة وهو مصدرُ سَبَحَ، وهو استعارةٌ، استعارَ للتصرُّفِ في الحوائجِ السِّباحةَ في الماءِ، وهي البُعْدُ فيه. وقرأ يحيى بن يعمر وعكرمة وابنُ أبي عبلة سَبْخاً «بالخاء المعجمةِ. واختلفوا في تفسيرِها، فقال الزمخشري:» استعارةً مِنْ سَبْخِ الصُّوفِ: وهو نَفْشُه ونَشْرُ أجزائِه لانتشارِ الهَمِّ وتفرُّقِ القلبِ بالشواغل. وقيل: التَّسبيخُ: التخفيفُ، حكى الأصمعيُّ: سَبَخَ الله عَنَك الحُمَّى، أي: خَفَّفَها عنك. قال الشاعر:
٤٣٦٦ فَسَبِّخْ عليكَ الهَمَّ واعلمْ بأنَّه. . . إذا قَدَّرَ الرحمنُ شيئاً فكائِنُ
أي: خَفِّفَ. ومنه «لا تُسَبِّخي بدُعائِك»، أي: لا تُخَفِّفي. وقيل: التَّسْبيخ: المَدُّ. يقال: سَبِّخي قُطْنَكِ، أي: مُدِّيه، والسَّبيخة: قطعة من القطن. والجمعُ سبائخُ. قال الأخطل يصف صائِداً وكلاباً:
٤٣٦٧ فأَرْسَلوهُنَّ يُذْرِيْنَ الترابَ كما. . . يُذْرِيْ سبائخَ قُطْنٍ نَدْفُ أوتارِ
وقال أبو الفضل الرازي: «وقرأ ابن يعمرَ وعكرمة» سَبْخاً «بالخاء معجمةَ وقالا: معناه نَوْماً، أي: يَنامُ بالنهار ليَسْتعينَ به على قيام الليل. وقد تحتمِلُ هذه القراءةُ غيرَ هذا المعنى، لكنهما فَسَّراها فلا تَجاوُزَ عنه». قلت: في هذا نظرٌ؛ لأنهما غايةُ ما في البابِ أنَّهما نقلا هذه القراءةَ، وظَهَرَ لهما تفسيرُها بما ذكرا، ولا يَلْزَمُ مِنْ ذلك أنَّه لا يجوزُ غيرُ ما ذَكَرا مِنْ تفسيرِ اللفظة.
اهـ (الدُّرُّ المصُون).

<<  <  ج: ص:  >  >>