حق، (وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا) أي ما أراد بالذباب والعنكبوت مثلاً؛ فقال اللَّه عزَّ وجلَّ: (يُضِل بِهِ كَثِيراً).
أي يَدعو إلى التصْدِيقِ بِه الخَلْق جميعاً فيكذبُ به الكفارُ - فيُضَلون
(وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ) يدل على أنهم المُضَلونَ بِه، ويهدى به
كثيراً، يزاد به المؤمنون هدايةً لأن كلما ازْدَادُوا تَصْدِيقاً فقدِ ازْدَادُوا هِدَايةً والفاءُ دخَلَتْ في جواب، أمَّا فِي قوله (فيَعلمون) لأن أما تأتي بمعنى الشرط
والجزاءِ كأنَّه إذا قال (أما زيد فقد آمن وأمَّا عمرو فقد كفر) فالمعنى مهما
يكن من شيءٍ فقد آمن زيد ومهما يكن من شيءٍ فقد كفر عمرو.
وقوله (ماذا) يجوز أن يكون (ما) و (ذا) اسماً واحداً يكون موضعهما
نصباً، المعنى أي شيءٍ أراد اللَّه بهذا مثلاً، ويجوز أن يكون (ذا) مع (ما)
بمنزلة الذي فيكون المعنى ما الذي أراده اللَّه بهذا مثلاً؛ أو أي شيءٍ الذي
أراده اللَّه بهذا مثلاً، ويكون (ما) هنا رفعاً بالابتداء و (ذا) في معنى الذي، وهو خَبَرُ الابتداء وإِعراب (الفاسقين) نصب كأنَّ المعنى وما يَضِل بِه أحَد إلا
الفَاسقين.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (٢٧)
(عهد الله) هنا - واللَّه أعلم - ما أخذ اللَّه على النبيين ومن اتبعهم ألا
يَكْفُروا بأمُرِ النبِي - صلى الله عليه وسلم -، دليل ذلك قوله عزَّ وجلَّ: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا).