(الذين) في موضع خفض أيضاً، على معنى وما عند اللَّهِ خَيْرٌ وأبقى
للذين آمنوا وللذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة.
وقوله: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ).
أي لا ينفردون برأي حتى يجتمعوا عليه، وقيل إنه ما تشاور قوم قَط - إلا
هُدُوا لأحسن ما يحضرهم.
* * *
(وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (٣٩)
جاء في التفسير أنهم كانوا يكرهون أَنْ يَذلوا أَنْفُسَهُم. فيجترئ عليهم
الفساق.
وروي أنها نزلت في أبي بكر الصديق.
فإن قال قائل: أهم محمودون على انتصارهِم أم لا؟
قيل هم محمودون؛ لأن من انتصر فأخذ بحقه ولم يجاوز في ذلك ما أمر اللَّه به فلم يُسْرِفْ في القتل إن كان ولي دم ولا في قصاص فهو مطيع للَّهِ عزَّ وجلَّ، وكل مطيع محمود، وكذلك من اجتنب المعاصي فهو محمود، ودليل ذلك قوله: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا (٣١).
* * *
وقوله: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (٤٠)
فالأولى (سيئة) في اللفظ والمعنى، والثانية (سيئة) في اللفظ، عاملها ليس
بمسيء، ولكنها سميت سيئة لأنها مجازاة لسوء فإنما يجازي السوء بمثله.
والمجازاة به غيْرُ سيّئة توجب ذَنْباً، وَإنَّمَا قيل لها سيئة ليعلم أَن الجَارِحَ
والجاني يُقْتَص مِنْهُ بمقدار جنايته.
وهذا مثل قوله تعالى: (فَمِن اعتدى عليكم فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) تأويله كافئوه بمثله، وعلى هذا كلام العرب.
* * *
وقوله: (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (٤٣)