(فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا).
فأرادُوا أن يأتوا بما ينقض هذا. فأعلم الله عزَّ وجلَّ أنهم لا يعقلون، ولا يقدرون على ذلك فقال: (قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ).
ولو كان الكلام نهياً لقال: قل لا تَتَبِعُونا.
وقرئت: " يُرِيدُونَ أنْ يُبَدِّلُوا كَلِمَ اللَّهِ).
فالْكَلِمُ جمع كلمة، والكلام في موضع التَّكلِيم.
* * *
وقوله: (قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (١٦)
وقد قرئت (أو يُسْلِموا)، فالمعنى تقاتلونَهُمْ حتى يسلموا.
وإِلَّا أن يسلموا.
فإن قال قائِلٌ: قد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهم:
(لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا)
فكيف جاز أن يقول: (سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ).
فإنما قال - صلى الله عليه وسلم - ذلك لأن اللَّه أعلمه أنَّهُمْ منافقون، وأعلمه مع ذلك أنهم لا يُقَاتِلُونَ معَه.
وجاء في التفسير أنه عنِيَ بقوله: (سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ) بنو
حنيفة، وأبو بكر رحمه اللَّه، قاتلهم في أيام مسيلمة.
وجاءً أيضاً هوازِن.
والمعنى أن كل من ظَاهِره الِإسلام فعلى أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يدعوهم إلى الجهاد.
والصحابة لم يطْلَعُوا في وقت الجهاد على من يُقَاتِل ومن لا يُقَاتِل.
ولا على من ينافق ومن لا ينافق، لأن الإظهار على ذلك من آيات الأنبياء
عليهم السلام.
وقد قيل: (إِلَى قَوْمٍ أوليَ بَأْسٍ شَدِيدٍ) أي، إلى فارس والروم، وذلك
في أيام أبي بكر وعمَر رحمة اللَّه عليهما وَمَنْ بَعْدَهم.