للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ)

أي كافرونَ.

* * *

وقوله عزَّ وجلَّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٨)

يعني (آمِنُوا بِرَسُولِهِ)، صَدِّقُوا برسُوله.

* * *

وقوله عزَّ وجلَّ: (يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ).

معناه يؤتكم نصيبين من رحمته، وإنَّما اشتقاقه في اللغة من الكِفْل، وهو

كساء يجعله الراكب تحته إذا ارتدف لئلا يسقط، فتَأويله يؤتكم نصيبين

يحفظانكم من هلكة الْمَعَاصي.

(وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ).

كما قال عزَّ وجلَّ: (نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أيْدِيهِمْ)

وهذه علامة المؤمنين في القيامة، ودليل ذلك قوله:

(يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ).

ويجوز أن يكون واللَّه أعلم: (وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ)

يجعل لهم سبيلاً واضحاً من الهدى تهتدون به.

* * *

وقوله: (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢٩)

المعنى فعل الله بكم ذلك كما فعل بمن آمَن مِنْ أَهْلِ الكِتابِ لأنْ يَعْلَموا

و (لا) مؤكدة. و (أَلَّا يَقْدِرُونَ) (لا) ههنا يدل على الِإضمار في " أن " مع

تخفيف " أن " المعنى أنهم لا يقدرون، أي لِيَعْلَمَ أهل الكتاب أنهم لاَ يَقْدِرُونَ على شيء من فضل اللَّه (١).


(١) قال السَّمين:
قوله: {لِّئَلاَّ يَعْلَمَ}: هذه اللامُ متعلقةٌ بمعنى الجملة الطلبية المتضمنةِ لمعنى الشرطِ، إذ التقدير: إنْ تتقوا اللَّهَ وآمنتم برسلِه يُؤْتِكم كذا وكذا، لئلا يعلمَ. وفي «لا» هذه وجهان، أحدهما: / وهو المشهورُ عند النحاةِ والمفسِّرين والمُعْرِبين أنها مزيدةٌ كهي في {مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ} [الأعراف: ١٢]، و {أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ} [يس: ٣١] على خِلافٍ في هاتين الآيتين. والتقدير: أَعْلَمَكم اللَّهُ بذلك، ليعلمَ أهلُ الكتابِ عدمَ قدرتِهم على شيءٍ مِنْ فضلِ اللَّهِ وثبوتَ أنَّ الفَضْل بيدِ الله، وهذا واضح بَيَّنٌ، وليس فيه إلاَّ زيادةُ ما ثبتَتْ زيادتُه شائِعاً ذائعاً.
والثاني: أنها غيرُ مزيدةٍ. والمعنى لئلا يعلمَ أهلُ الكتابِ عَجْزَ المؤمنين، نقل ذلك أبو البقاء وهذا لفظُهُ، وكان قد قال قبلَ ذلك: «لا» زائدة والمعنى: ليعلمَ أهلُ الكتابِ عَجْزَهم «وهذا غيرُ مستقيم؛ لأنَّ المؤمنين عاجزون أيضاً عن شيءٍ مِنْ فضل اللَّهِ وكيف يعملُ هذا القائلُ بقولِه {وَأَنَّ الفضل بِيَدِ الله}؛ فإنه معطوفٌ على مفعولِ العِلْمِ المنفيِّ فيصيرُ التقدير: ولئلا يعلمَ أهلُ الكتاب أنَّ الفضلَ بيد الله؟ هذا لا يستقيمُ نَفْيُ العِلْمِ به ألبتَّةَ، فلا جرم كان قولاً مُطَّرحاً ذكَرْتُه تنبيهاً على فسادِه.
وقراءةُ العامَّةِ» لئلا «بكسر لام كي وبعدها همزةٌ مفتوحةٌ مخففةٌ. وورش يُبْدِلها ياءً مَحْضَة وهو تخفيفٌ قياسيٌّ نحو: مِيَة وفِيَة، في: مئة وفئة. ويدلُّ على زيادتِها قراءةُ عبد الله وابن عباس وعكرمةَ والجحدري وعبد الله بن سلمة» لِيَعْلَم «بإسقاطِها، وقراءةُ حطان ابن عبد الله» لأَنْ يعلمَ «بإظهار» أَنْ «. والجحدري أيضاً والحسن» لِيَنَّعَلَمَ «وأصلُها كالتي قبلها لأَنْ يعلم، فأبدل الهمزةَ ياءً لانفتاحِها بعد كسرة، وقد تقدم أنه قياسٌ كقراءة ورش» لِيَلاَّ «ثم أَدْغَمَ النون في الياء. قال الشيخ:» بغير غُنَّة كقراءة خلف {أَن يَضْرِبَ} [البقرة: ٢٦] بغيرِ غُنَّة «انتهى. فصار اللفظ لِيَنَّعْلَمَ. وقوله:» بغير غنَّة «ليس عَدَمُ الغنَّةِ شرطاً في صحة هذه المسألةِ، بل جاء على سبيل الاتفاقِ ولو أَدْغَمَ بُغنَّةٍ لجاز ذلك فسقوطُها في هذه القراءاتِ يؤيِّد زيادتها في المشهورةِ.
وقرأ الحسن أيضاً فيما رَوَى عنه أبو بكر ابن مجاهد» لَيْلاً يَعْلَمَ «بلام مفتوحةٍ وياءٍ ساكنةٍ كاسم المرأة ورفعِ الفعلِ بعدها. وتخريجُها: على أنَّ أصلَها: لأَنْ لا، على أنها لامُ الجرِّ ولكنْ فُتِحَتْ على لغةٍ معروفة، وأنشدوا:
٤٢٣٧ أُريدُ لأَنْسَى ذِكْرَها. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
بفتح اللام، وحُذِفَت الهمزةُ اعتباطاً، وأُدْغمت النونُ في اللام فاجتمع ثلاثة أمثالٍ فثَقُلَ النطقُ به فأبدلَ الوسطَ ياءً تخفيفاً، فصار اللفظُ» لَيْلا «كما ترى ورُفِع الفعل؛ لأنَّ» أَنْ «هي المخففةُ لا الناصبةُ، واسمُها على ما تقرَّر ضميرُ الشأنِ، وفُصِل بينها وبين الفعلِ الذي هو خبرُها بحرفِ النفي.
وقرأ الحسن أيضاً فيما روى عنه قطرب «لِيْلا» بلام مكسورة وياءٍ ساكنةٍ ورفع الفعل، وهي كالتي قبلها في التخريج. غايةُ ما في الباب أنه جاء بلامٍ مكسورةٍ كما في اللغة الشهيرة. ورُوي عن ابن عباس «لكي يعلَمَ»، و «كي يعلم» وعن عبد الله «لكيلا» وهذه كلُّها مخالِفةٌ للسوادِ الأعظمِ ولسوادِ المصحف.
وقرأ العامَّةُ {أَنْ لا يَقْدِرُون} بثوبت النون على أنَّ «أَنْ» هي المخففة وعبد الله بحَذْفِها على أَنَّ «أَنْ» هي الناصبة وهذا شاذٌّ جداً؛ لأنَّ العِلْمَ لا تقع بعده الناصبةُ.
اهـ (الدُّرُّ المصُون).

<<  <  ج: ص:  >  >>