(وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ).
وهذا من لطيف المسائل، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا وعد وعْداً وقع الوعدُ بأسره، لم يقع بعضه، فالسؤال في هذا من أيْنَ جاز أن يقول بعض الذي يَعِدُكُمْ، وحق اللفظ كل الذي يَعدُكم فهذا باب من النظَرِ يذهب فيه المناظرِ إلى الزام الحجة بأيْسَرِ ما في الأمر، وليس في هذا نفي إصابة الكل
ومثل هذا قول الشاعر:
قد يُدْرِكُ المُتَأَنّي بَعْضَ حاجتِه. . . وقد يكونُ مع المسْتَعْجِل الزَّلَلُ
إنما ذكر البعضَ ليوجب له الكُل، لا أن البعضَ هو الكل ولكن للقائل إذا
قال أَقَل ما يكون للمتَأنِي إدراك بعض الحاجة، وأقل ما يكون للمستعجل
الزلل، فقد أبان فضل المتأني على المستعجل بما لا يقدر الخصم أن يدفعه.
وكان مُؤمِنَ آل فرعونَ قال لهم: أقل مَا يكون في صدقه أن يُصِيبَكُمْ بعضُ
الذي يعدكم، وفي بعض ذَلِك هَلَاكُكُمْ، فهذا تأويله واللَّه أعلم.
* * *
(يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (٢٩)
هذه حكاية قول مؤمن آل فرعون.
أعلمهم اللَّه أن لهم الملك في حال ظهورهم على جميع الناس.
ثم أعلمهم أن بأس اللَّه لا يدفعه دافع ولا ينصر منه ناصر فقال:
(فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا).
* * *
(وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ (٣٠)
أي مثل يوم حَزْبِ حِزْبِ، والأحزاب ههنا قوم نوح وعادٍ وثمودَ وَمَن
أُهلكَ بعدَهُمْ وَقَبلَهُمْ.