للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وتقرأ: (وما أَنْتَ تهدي العُمْيَ عن ضَلاَلَتِهِم)، ويجوز بهادٍ العُمْيَ

عن ضَلَالَتِهِمْ.

فأمَّا الوَجْهَانِ الأولان فجيِّدانِ في القراءة، وقد قرئ بهما جميعاً.

والوجه الثالث يجوز في العَرَبية، فَإنْ ثبتت به روايةٌ وإلَّا لم يُقْرأْ به، ولا أعلم أَحداً قرأ به (١).

* * *

وقوله عزَّ وجلَّ: (إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا).

معناه ما تُسْمِع إلا من يؤمن، وتأويل ما تُسْمِعُ، أي مَا يَسْمَعُ مِنْكَ

فَيَعِي ويَعْمَلُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا، فأمَّا من سمع ولم يقبل فبمنزلة

الأصَمِّ.

كما قال اللَّه عزَّ وجلَّ: (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ).

قال الشاعِرُ:

أَصَمَّ عَمَّا سَاءَهُ سَمِيعُ

* * *

وقوله عزَّ وجلَّ: (وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ (٨٢)

أي إذَا وَجَبَ.

(أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ).

وَتَكْلِمُهُمْ، ويروى أن أول أشراط الساعة خروجُ الدابةِ وطلوعُ

الشمسِ مِنْ مَغْرِبها، وأَكْثَر ما جاء في التفسير أنها تخرج بِتُهَامَةَ.

تَخْرجُ مِنْ بَيْنِ الصفَا والمروَةِ.

وقد جاء في التفسير أنها تخرج ثلات مرات في ثلاثة أَمْكِنَةٍ.

وجاء في التفسير تنكت في وَجْهِ الكَافِر نكتة سوداء وفي وجه المؤمن نكتة بيضاء، فتفشو نكتة الكافر حتى يسودَّ منها وجهه أجمع وتفشو نكتة المؤمن حتى يَبْيَضَّ منها وَجْهَهُ فتجتمع الجماعة على المائِدَةِ، فَيُعْرَفُ المؤمِنُ مِن الكافِرِ.

فمن قرأ (تُكَلِّمُهُمْ) فهو من الكلام، ومن قرأ (تَكْلُمُهُمْ) فهو من

الكلْمَ، وهو الأثر والجرح (٢).


(١) قال السَّمين:
قوله: {بِهَادِي العمي}: العامَّةُ على «هادِيْ» مضافاً للعُمْي. وحمزة «يَهْدِي» فعلاً مضارعاً، و «العمُيَ» نصبٌ على المفعول به، وكذلك التي في الروم ويحيى بن الحارث وأبو حيوة «بهاد» منوَّناً «العُمْيَ» منصوب به، وهو الأصلُ.
واتفق القُرَّاء على أَنْ يقفوا على «هاد» في هذه السورةِ بالياءِ؛ لأنَّها رُسِمَتْ في المصحفِ ثابتةً. واختلفوا في الروم. فوقف الأخوان عليها بالياءِ أيضاً كهذه. أمَّا حمزةُ فلأنه يقرَؤُها «يَهْدي» فعلاً مضارعاً مرفوعاً فياؤه ثابتة. قال الكسائيُّ: «مَنْ قرأ» يَهْدِي «لَزِمَه أَنْ يقفَ بالياء، وإنما لزمه ذلك؛ لأن الفعلَ لا يَدْخُلُه تنوينٌ في الوصلِ تُحذف له الياء فيكونُ في الوقفِ كذلك، كما يَدْخُلُ تنوينٌ على» هادٍ «ونحوهِ فتَذْهبُ الياءُ في الوصل، فيجري الوقفُ على ذلك كَمَنْ وقف بغير ياءٍ». انتهى. ويَلْزَمُ على ذلك أَنْ يُوْقَفَ على {يَقْضِي بالحق} [غافر: ٢٠] {وَيَدْعُ الإنسان} [الإسراء: ١١] بإثباتِ الياءِ والواوِ. ولكنْ يَلْزَمُ حمزةَ مخالفَةُ الرسمِ دونَ القياسِ. وأمَّا الكسائيُّ فإنه يَقْرَأُ «بهادي» اسمَ فاعلٍ كالجماعةِ، فإثباتُه للياءِ بالحَمْلِ على «هادِي» في هذه السورةِ، وفيه مخالفَةٌ الرسمِ السلفيِّ.
قوله: {عَن ضَلالَتِهِمْ} فيه وجهان، أحدهما: أنه متعلق ب «يَهْدي». وعُدِّي ب «عن» لتضمُّنِه معنى يَصْرِفهم. والثاني: أنه متعلقٌ بالعُمْي لأنَّك تقول: عَمِيَ عن كذا، ذكره أبو البقاء. اهـ (الدُّرُّ المصُون).
(٢) قال السَّمين:
قوله: {تُكَلِّمُهُمْ} العامَّةُ على التشديد. وفيه وجهان، الأظهر: أنه من الكلامِ والحديث، ويؤيِّده قراءةُ أُبَيٍّ «تُنَبِّئُهم» وقراءةُ يحيى بن سَلام «تُحَدِّثُهم» وهما تفسيران لها. والثاني: «تَجْرَحُهم» ويَدُلُّ عليه قراءةُ ابن عباس وابن جبير ومجاهد وأبي زُرْعَةَ والجحدري «تَكْلُمُهم» بفتحِ التاءِ وسكونِ الكافِ وضمِّ اللامِ من الكَلْمِ وهو الجُرْحُ. وقد قُرِىء «تَجْرَحُهم» وفي التفسير أنها تَسِمُ الكافَر. اهـ (الدُّرُّ المصُون).

<<  <  ج: ص:  >  >>