وقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (١١٩)
على نسق الكلام يدل على أنهم أمِروا بأن يكونوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في الشدهَ والرخاءِ.
ويجوز - واللَّهُ أعلم - على هذا قوله: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ).
وقد رويت عن بعضهم " مِنَ الصادِقِينَ " والمعنى واحد، ويجوز أن يكون
ممن يصدق ولا يكذب في قول ولا فعل.
* * *
وقوله: (مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (١٢٠)
الظمأ العطشُ، والنصَب: التعَبُ.
(ولا مخمصة) المخمصة: المجاعة، فأعلم اللَّه أنه يجازيهم على جميع
ذلك، وأنَّه يكتب لهم عَمَلاً صالحاً.
* * *
وقوله: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (١٢٢)
هذا لفظ خبر فيه معنى أمر كما كان (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ) والمعنى أنهم كانوا إذا كانت سَريةٌ نفروا فيها بأجمعهم.
فأَعلم اللَّه جلَّ وعزَّ أنَّه ينبغي أن ينفر بعضهم ويبقى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بعضٌ لئلا يبقى وحدَه.
ولئلا يخلو من خرج منهم من فائدة منه، فقال جلَّ وعزَّ:
(فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ).
المعنى أنهم إِذَا بَقِيَتْ منهم بحضرة النبي - صلى الله عليه وسلم - بقية فسَمِعُوا منه وَحْياً أعْلمُوا الذين نفروا ما علموا فاستوَوْا في العلم، ولم يخلوا منه.
وجائز - واللَّه أعلم - أن يكون هذا دليلاً على فرض الجهاد يجزى
الجماعة فيه عن الجماعَة.