والشاهد هو الْمُبَيِّن لدَعْوَى المدعِي، فأمر الله جَل ثنَاؤُه نبيه بأن يحتج
عَلَيْهم باللَّه الواحِد الذي خلق السموات الأرض وخلق الظلمات والنور.
وخلقهم أطواراً على ما بَين في كتابه، وأمر أن يعْلِمهم أن شهادة اللَّه بأنه
واحد، وَإِقامة البراهين في توحيده أكبر شهادةً، وأن القرآن الذي أتى به يشهد له بأنه رسوله فقال: (قل اللَّهُ شهيدٌ بَيْني وَبَيْنَكمْ)، الذي اعترفتم بأنه خالق هذه الأشياء:
(وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ).
ففي الِإنذار دليل على نبوته، لأنه لَمْ يَأت أحد بمثله، ولا يأتي بمثله
لأن فيه أخبارَ الأمم السالفة، جاءَ بها عليه السلام.
وهو أُمِّيٌّ لا يقرأ الكُتُبَ، وأنبأ بما سيكون، وكان ما أنبأ به حقًا، ثم قال: (واللَّه يَعْصمك من النَّاس)
وكان - صلى الله عليه وسلم - مَعْصُوماً منهم.
وقال: (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)
فأظهر الله دين الإِسلام على سائر الأديان بالحجة القاطعة.
وغَلَبَة المسلمين على أكثر أقطار الأرض
وقال في إليهود. وكانوا في وقت مبعثه أعزَ قومٍ وأمتنه:
(وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ)، فَهُمْ أذلَّاءُ إِلى يوم القيامةِ.
فأنبأ الله في القرآن بما كان وما يكون، وأتى به مؤَلَّفاً تأْلِيفاً
لم يَقْدرْ أحد مِن العرب أن يأْتيَ بسورة مثله، وهو في الوقت الذي قيل لهم
ليأْتوا بسورة من مثله، خُطَباءُ شعراءُ لم يكن عندهم أوْجَزَ من الكَلام المنثور.
والموزون، فعجزوا عن ذلك.
* * *
وقوله: (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (٢٠)
أي يَعرِفون محمداً - صلى الله عليه وسلم - أنَّه نَبي كما يَعرفُونَ أبنَاءَهُم، وُيروَى عن عمرَ بنِ الخطابِ أنهُ قال