وقوله عزَّ وجلَّ: (فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (٨٢)
ذلك إشارة إلى أخذ الميثاق بالمعنى: (فمن تولى) أي أعرض عن الإيمان بعد
أخذ الميثاق على النبيين.
وأخْذُ الميثاق على النبيين مشتمل على الأخذ على
أممهم، أي فمن تولى بعد أخذ الميثاق وظهور آيات النبي - صلى الله عليه وسلم - (فَأولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ) أي: الذين خرجوا عن القصد
وعن جملة الإيمان.
ويصلح أن تكون (همْ) ههنا اسماً مبتدأ، و (الفاسقون) خبرهُ
و" هم " " مع " الفاسقون خبر أولئك.
وصلح أن يكون (الفاسقون) مرتفعاً بأولئك " وهم " فصل -
وهو الذي يسميه الكوفيون العماد.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (٨٣)
أي أفغير دين اللَّه يطلبون، لأنه قد بين أنه دين اللَّه وأنهم كفروا وعاندوا وحسدوا بغياً - كما فعل إِبليس.
وقوله عزَّ وجلَّ: (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا).
جاءَ في التفسير أنه أسلم من في السَّمَاوَات كلهم طوعاً، وأسلم بعض من في
الأرض طوعاً وبعض كرهاً.
لما كانت السنة فيمن فُرِض قتاله من المشركين أن
يقاتَلَ حتى يسلم سمي ذلك كرهاً، وإن كان يسلم حين يسلم طائعاً، إلا أن
الوصلة كانت إلى ذلك بِكُرهٍ، ونصب (طوعاً) مصدراً، وضع موضع الحال.
كأنه أسلموا طائعين ومكرَهين، كما تقول جءتك ركضاً ومشياً، وجئت راكضاً وماشياً، ويجوز أن يكون واللَّه أعلم - على معنى وله أسلم من في السَّمَاوَات والأرض طوعاً وكرهاً - أي خضعوا من جهة ما فطرهم عليه ودبرهم به،