(وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا)
فقالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - قد أوتينا التوراة، وفيها الحكمة، وقَدْ تَلَوْتَ: (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا).
فأعلمهم اللَّه - عزَّ وجلَّ - أنَّ عِلْمَ التوراة قليل في علم اللَّه.
فقال: (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ)
أي ما نفدت الحكمةُ التي يأتي بها اللَّه عزَّ وجلَّ، فالتوراة قليلة بالإضَافَةِ إلَى كلمات اللَّه.
وقليل وكثير لَا يصح إلا بالإضَافَة، فإنما يقل الشيء عندما يعلمُ أكثر
منه، وكذلك يكثر عند مَعلوم هُوَ أقَل منه.
وقد اختلف الناس في تفسير الروح فقيل إن الروح جبريل ومن تأول
ذلك فدليله قوله: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلَى قَلْبِكَ).
وقيل إن الروح خلق لخلق بني آدم في السماء.
وقال بعض المفسرين: إن الروح إنما يعنَى به القُرآنُ.
قال: ودليل ذلك قوله: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ)
وكذلك قيل: الروح من أمر ربي، وتأويله تسمية القرآن بالروح أن القرآن حياة القلوب وحياة النفس فيما تَصِير إليه من
الخير عند اللَّه عزَّ وجلَّ.
* * *
وقوله: (وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا (٨٦)
أي لو شئنا لمحوناه من القلوب ومن الكتب حتى لا يُوجَدَ له أثر.
(ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا).