للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله عزَّ وجلَّ: (وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (٦٩)

(إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ)

ويقرأ (كَيْدُ سِحْرٍ)، ويجوز إنما صنعوا كيدُ سَاحِرٍ، ويجوز ُكَيْدَ ساحِرٍ

بنصب الدال. فمن قرأ " أنما: نصب " أنَّمَا " على معنى تلقَفْ مَا صَنَعُوا لِأنَّ ما صنعوا كيد ساحِر، ولا أعلم أحداً قرأها هنا " أنَّمَا "، والقراءة بالكسر، وَهُوَ أبْلَغُ في المَعْنَى.

فأمَّا رفع كيد فعلى معنى أن الذي صَنَعُوه كَيدُ سَاحِرٍ على خبر إنَّ

وَ " مَا " اسم، ومن قرأ كيدَ ساحِرٍ جعل " ما " تمنع " إِنَّ " العَمَل، وتسَوِّغُ للفِعْلِ أن يكون بعدها، وينتصبُ " كيْد ساحر " بـ صَنعوا، كما تقول: إنما ضَرَبْتُ زيداً.

* * *

وقوله عزَّ وجلَّ: (وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى).

قالوا معناه حيث كان، وقيل معناه حيث كان الساحر يجبُ أن يُقَتَلَ.

وكذلك مذهب أهل الفقه في السحرة.

* * *

وقوله عزَّ وجلَّ: (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (٦٧)

وأصلها خِوْفَة، ولكن الواو قلبت ياء لانكسار ما قبلها.

(وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا).

و" تَلْقَفُ " القراءة بالجزم جواب الأمر، ويجوز الرفع على معنى الحال.

كأنه قال ألقها مُتَلَقِّفَةً، على حال مَتَوقِّعَةٍ، ولم يقرأ بها، ولا ينبغي أن يقرأ بما

لم تتقدم به قراءة (١).

وقوله تعالى: (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (٧٠)

(سُجَّدًا) منصوب على الحال، وهي أيضاً حال مقدرة، لأنهم خروا

وليسوا ساجدين، إنما خروا مقدرين السجود.


(١) قال السَّمين:
قوله: {تَلْقَفْ}: قرأ العَامَّةُ بفتح اللام وتشديد القافِ وجزمِ الفاءِ على جواب الأمر. وقد تقدم أنَّ حَفْصاً يقرأ «تَلْقَفْ» بسكون اللامِ وتخفيفِ القاف. وقرأ ابن ذكوان هنا «تَلْقَفُ» بالرفع: إمَّا على الحالِ، وإمَّا على الاستئناف. وأَنَّثَ الفعلَ في «تَلْقَف» حَمْلاً على معنى «ما» لأنَّ معناها العصا، ولو ذُكِّر ذهاباً إلى لفظِها لجاز، ولم يُقرأ به.
[وقال أبو البقاء: «يجوز أَنْ يكونَ فاعلُ» تَلْقَف «ضميرَ موسى» فعلى هذا يجوز أَنْ يكونَ «تلقفُ» في قراءة الرفع حالاً من «موسى». وفيه بُعْدٌ].
قوله: {كَيْدُ سَاحِرٍ} العامَّةُ على رَفْع «كَيْدُ» على أنه خبرُ «إنَّ» و «ما» موصولةٌ. و «صَنَعُوا» صلَتُها، والعائدُ محذوفٌ، والموصولُ هو الاسمُ، والتقدير: إنَّ الذي صنعوه كيدُ ساحرٍ. ويجوز أَنْ تكونَ «ما» مصدريةً فلا حاجةَ إلى العائد، والإِعرابُ بحالِه. والتقدير: إنَّ صُنْعَهم كيدُ ساحرٍ.
وقرأ مجاهد وحميد وزيد بن على «كَيْدَ» بالنصب على أنه مفعولٌ به، و «ما» مزيدة مُهَيِّئَةٌ.
وقرأ الأخَوان «كيدُ سِحْر» على أنَّ المعنى: كيدُ ذوي سِحْرٍ، أو جُعِلوا نفسَ السحر مبالغةً، أو تبيينٌ للكيد؛ لأنه يكون سِحْراً وغيرَ سحرٍ، كما تُمَيَّزُ سائرُ الأعدادِ بما يُفَسِّرها نحو «مئة درهمٍ، وألف دينار». ومثلُه: علمُ فقه، وعلمُ نحو. وقال أبو البقاء: «كيدُ ساحر» إضافةُ المصدر إلى الفاعلِ و «كيدُ سِحْر» إضافةُ الجنسِ إلى النوع «.
والباقون» ساحر «. وأفرد/ ساحراً، وإنْ كان المرادُ به جماعةً. قال الزمخشري:» لأن القَصْدَ في هذا الكلامِ إلى معنى الجنسية، لا إلى معنى العددِ، فلو جمِع لخُيِّل أنَّ المقصودَ هو العددُ «. اهـ (الدُّرُّ المصُون).

<<  <  ج: ص:  >  >>