حَقا، فَمَا في التوكيد بمنزلةِ حَق إلا أنه لا إعرابَ لها، والخافض والناصِب
يتخطاهَا إلى مَا بَعْدَهَا، فمعْنَاهَا التوكِيدُ، ومثلُها في التوكيد (لا) في قوله:
(لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ) معناه لأنْ يعلمَ أهل الكتاب، ويجوز أنْ يكونَ
" مَا " نكرة فيكون المعنى: " إنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحِي أنْ يَضْرَب شَيئاً مَثَلاً " وكأن
بعوضة في موضع وصف شيء، كأنه قال: إن اللَّه لا يستحيي أن يضرب مثلًا شيئاً من الأشياءِ، بعوضة فما فوقها.
وقال بَعْضُ النحويينَ: يجوز أن يكون معناه ما بين بعوضة إلى ما فوقها، والقولان الأولان قول النحويين القدماءِ.
والاختيار عند جمع البَصْريينَ أن يكون ما لغوا، والرفع في بعوضة جائز في
الإعراب، ولا أحفظ من قرأ به (ولا أعلم) هَلْ قرأ به أحد أم لا، فالرفْعُ
على إضْمَارِ هُوَ كأنهُ قال مَثلاً (لذي هو بعوضة وهذا عند سيبويه ضعِيف)، وعنه مندوحة، ولكن من قرأ (تَمَاماً عَلَى الذِي أحْسَن) وقد قرئ به - جاز أن يقرأ (مَثَلاً مَا بعوضَة) ولكنهُ في (الذي أحسنُ) أقوى لأن الذي أطول.
وليس للذي مذهب غيرُ الاسْماء.
وقالوا في معنى قوله: (فمَا فَوْقَها)
قالوا في ذلك قولين: قالوا (فمَا فَوْقَها): أكبَرُ مِنْهَا، وقالوا (فمَا فَوْقَها) في الصغرِ.
وبعضُ النحويينَ يختارُون الأول لأن البَعُوضة كأنها نِهَايةُ في الضغرِ فِيمَا
يُضْرَبُ بِه المَثلُ، والقولُ الثاني مختارُ أيضاً، لأن المطلوبَ هنا والغرضَ
الصغرُ وتقليلُ المَثلِ بِالأنَدَادِ.
قوله عزَّ وجلَّ: (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا) يعني صدقوا (فَيَعْلَمُونَ) أن هذا المثل