وقال: (يَعْلَمُ مَا فِي أنْفُسِكمْ فاحْذَروه)، وما في النفوس من
الخواطر الجائلة والهم الجائل والعزم الجائل فيها. فلا يجوز عدم ما علمه
كائناً فيها، ولا يجوز كون ما علمه معدوماً.
فحذرهم مخالفةَ ظاهر أمره ونهيه لأن عليهم السمع والطاعة للأمر إذا
أمروا به، وهم جارون على ما عَلِمَ منهم أنَّهم يختارون الطاعة، ويختارون
المعْصِيَة، فلا سبيل إِلى أن يختاروا خلاف ما علم أنهم يختارونه.
وإن لم يكن الأمر على ما قلنا وجَب أن يكون قولهم: علم اللَّه أفعال العبَادِ قبل كونها إِنما هو علم مجاز لا علم حقيقة.
واللَّه تعالى عالم على حقيقة لا مجاز، والحمد للَّهِ.
وقال قوم - وهو بعد القول الأول قريب -:
إِن المعنى: (وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا).
أي قد تبرأنَا من جميع ملَّتِكُمْ فما يكون لنا أن نعود في شيءَ منها إِلا أن يشاءَ اللَّه وجهاً من وجوه البر الذي تتقربون به إلى اللَّه، فيأمرنا به، فنكونَ بهذَا قد عُدْنا.
قال أبو إسحاق: والذي عندي - وهو إِن شاءَ اللَّه الْحَقُّ - القول الأول.
لأن قوله: (بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا)، إنَّما هو، النجاة من الكفر وأعمال المعاصي لا من أعمال البر.
وقوله: (وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا).
(عِلْمًا) منصوب على التمييز.
وقوله: (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ).
أهل عُمان يسمُون القاضي الفاتح والفتاح.