للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قَالَ: اكْتُبْ، فَجَرَى فِي تِلْكَ السَّاعَةِ بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» (١)، كما قال -سبحانه وتعالى-: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحج: ٧٠]، وقال: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحديد: ٢٢]، وهذا التقدير -التابع لعلمه -سبحانه وتعالى- يكون في مواضع جملة وتفصيلًا فقد كتب في اللوح المحفوظ ما شاء: وإذا خلق جسد الجنين قبل نفخ الروح فيه بعث إليه ملكًا؛ فيؤمر بأربع كلمات فيقال له: اكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد (٢)؛ ونحو ذلك، فهذا القدر قد كان ينكره غلاة القدرية قديمًا، ومنكره اليوم قليل.

وأما الدرجة الثانية: فهي مشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة، وهو الإيمان بأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه ما في السموات والأرض من حركة ولا سكون إلا بمشيئة الله -سبحانه وتعالى-، لا يكون في ملكه إلا ما يريد، وأنه -سبحانه وتعالى- على كل شيء قدير من الموجودات والمعدومات، فما من مخلوق في الأرض ولا في السماء إلا الله خالقه -سبحانه وتعالى-، لا خالق غيره ولا رب سواه، ومع ذلك فقد أمر العباد بطاعته وطاعة رسله، ونهاهم عن معصيته، وهو -سبحانه وتعالى- يحب المتقين والمحسنين والمقسطين، ويرضى عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات، ولا يحب الكافرين، ولا يرضى عن القوم الفاسقين، ولا يأمر


(١) أخرجه أحمد (٣٧/ ٣٧٨ - ٣٧٩) ح (٢٢٧٠٥)، وأبو داود في كتاب السنة، باب في القدر (٤/ ٢٢٥) ح (٤٧٠٠)، والترمذي في أبواب القدر، باب .. (٤/ ٤٥٧) ح (٢١٥٥) جميعهم من حديث عبادة بن الصامت -رضي الله عنه-، وصححه الألباني في صحيح الجامع (١/ ٤٠٥) ح (٢٠١٧).
(٢) يشير بهذا إلى حديث عَبْد اللَّهِ بن مسعود -رضي الله عنه-: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ الصَّادِقُ المَصْدُوقُ، قَالَ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ، وَيُقَالُ لَهُ: اكْتُبْ عَمَلَهُ، وَرِزْقَهُ، وَأَجَلَهُ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوح .. » الحديث أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة (٤/ ١١١) ح (٣٢٠٨)، ومسلم في كتاب القدر، باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه وكتابة رزقه وأجله وعمله وشقاوته وسعادته (٤/ ٢٠٣٦) ح (٢٦٤٣).

<<  <   >  >>