للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الخامس عشر: الخسارة في الآخرة]

إن إهمال تحقيق أعمال القلوب، والتقصير في محاسبة النفس، ومجاهدتها في ذلك، والوقوع في داء الغفلة عن الآخرة، وتعلق القلب بالدنيا والافتتان بها، يعود بالخسارة العظيمة في الآخرة، وتكون الخسارة أعظم من شخص يدل الناس على الآخرة بقوله، ويفتنهم بفعله، بتشبثه بالدنيا ونسيان الآخرة، قال تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٤١) سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} [المائدة: ٤١، ٤٢]. وسياق الآيات وإن كان في اليهود الذين كتموا حكم الله في رجم الزاني، فكل من شابههم في صفتهم التي منها كتم الحق وأكل السحت يصيبه ما أصابهم في الدنيا والآخرة، ولهذا قال بعض السلف: "من فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود" (١).

وفي تفسير المنار: "ولذلك قال: {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ} أي: أولئك الذين بلغت منهم الفتنة هذا الحد هم الذين لم تتعلق إرادة الله تعالى بتطهير قلوبهم من الكفر والنفاق؛ لأن إرادته تعالى إنما تتعلق بما اقتضته حكمته البالغة وسننه العادلة، ومن سننه في قلوب البشر وأنفسهم أنها إذا جرت على الباطل والشر، ونشأت على الكيد والمكر، واعتادت اتخاذ دينها شبكة لشهواتها وأهوائها، ومردت على الكذب والنفاق، وألفت عصبية الخلاف والشقاق، وصار ذلك من ملكاتها الثابتة وأخلاقها الموروثة الثابتة، تحيط بها خطيئتها، وتطبق عليها ظلمتها، حتى لا يبقى لنور الحق منفذ ينفذ منه إليها" (٢).


(١) ينظر: البداية والنهاية (١٩/ ٤٢) فقد نقله عن سفيان بن عيينة رحمه الله.
(٢) تفسير المنار (٦/ ٣٢٣) لمحمد رشيد رضا، الهيئة المصرية العامة للكتاب، سنة النشر: ١٩٩٠ م.

<<  <   >  >>