للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الرابع: التطلع إلى الرياسة للمكاسب الدنيوية]

ومن آثار الخلل في تحقيق عمل القلب على الداعية في نفسه: تطلعه إلى الرياسة والمكاسب المادية من خلالها، وهو يدخل في فتنة الشهوات التي سبق الحديث عنها في المبحث السابق.

والتطلع إلى الرياسة وطلبها يفسد على المرء دينه، كما في حديث كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلَا فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ المَرْءِ عَلَى المَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ» (١).

وقال ابن رجب رحمه الله في شرحه لهذا الحديث: "فهذا مثل عظيم جدًّا ضربه النبي -صلى الله عليه وسلم- لفساد دين المسلم بالحرص على المال والشرف في الدنيا، وأن فساد الدين بذلك ليس بدون فساد الغنم بذئبين جائعين ضاريين باتا في الغنم، وقد غاب عنها رعاؤها ليلًا، فهما يأكلان في الغنم ويفترسان فيها.

ومعلوم أنه لا ينجو من الغنم من إفساد الذئبين المذكورين والحالة هذه إلا قليل، فأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن حرص المرء على المال والشرف إفساده لدينه ليس بأقل من إفساد الذئبين لهذه الغنم؛ بل إما أن يكون مساويًا وإما أكثر، يشير إلى أنه لا يسلم من دين المسلم مع حرصه على المال والشرف في الدنيا إلا القليل، كما أنه لا يسلم من الغنم


(١) أخرجه أحمد في المسند (٢٥/ ٦١) ح (١٥٧٨٤)، والترمذي في أبواب الزهد، باب .. (٤/ ٥٨٨) ح (٢٣٧٦) وقال: "حسن صحيح"، وابن حبان في صحيحه في باب ما جاء في الحرص وما يتعلق به، ذكر الإخبار عما يجب على المرء من مجانبة الحرص على المال والشرف؛ إذ هما مفسدان لدينه (٨/ ٢٤) ح (٣٢٢٨)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (٢/ ٣١٤) ح (١٧١٠)، وصحح إسناده شعيب الأرناؤوط في تحقيقه للمسند (٢٥/ ٦٢) ح (١٥٧٨٤).

<<  <   >  >>