للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الفرع الأول: طلب العلم النافع]

العلم بكتاب الله تعالى وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- هو العلم الشرعي النافع الذي يحيي الله به القلوب كما تحيا الأرض بوابل القطر، وفي المقابل الجهل بذلك تموت به القلوب، فإذا هي دار خراب، قد عششت فيها الشياطين، وتمكنت منها الفتن.

وقال ابن حجر رحمه الله في معنى العلم: "والمراد بالعلم العلم الشرعي الذي يفيد معرفة ما يجب على المكلف من أمر دينه في عباداته ومعاملاته، والعلم بالله وصفاته، وما يجب له من القيام بأمره، وتنزيهه عن النقائص، ومدار ذلك على التفسير والحديث والفقه" (١).

وذكر ابن القيم رحمه الله جهات تفضيل العلم على غيره، وأن الحاجة إليه أعظم من الحاجة إلى الطعام، بل فوق الحاجة إلى النَفَس، فقال: "إن فضيلة الشيء وشرفه يظهر تارة من عموم منفعته، وتارة من شدة الحاجة إليه وعدم الاستغناء عنه، وتارة من ظهور النقص والشر بفقده، وتارة من حصول اللذة والسرور والبهجة بوجوده لكونه محبوبًا ملائمًا، فإدراكه يعقب غاية اللذة، وتارة من كمال الثمرة المترتبة عليه وشرف علته الغائية وإفضائه إلى أجل المطالب، وهذه الوجوه ونحوها تنشأ وتظهر من متعلقه، فإذا كان في نفسه كمالًا وشرفًا بقطع النظر عن متعلقاته جمع جهات الشرف والفضل في نفسه ومتعلقاته، ومعلوم أن هذه الجهات بأسرها حاصلة للعلم، فإنه أعم شيء نفعًا، وأكثره وأدومه، والحاجة إليه فوق الحاجة إلى الغذاء، بل فوق الحاجة إلى التنفس؛ إذ غاية ما يتصور من فقدهما فقد حياة الجسم، وأما فقد العلم ففيه فقد حياة القلب والروح، فلا غنى للعبد عنه طرفة عين، ولهذا إذا فُقِدَ من الشخص كان شرًّا من الحمير، بل كان شرًّا من الدواب عند الله، ولا شيء أنقص منه حينئذ.

وأما حصول اللذة والبهجة بوجوده؛ فلأنه كمال في نفسه وهو ملائم غاية الملاءمة للنفوس؛ فإن الجهل مرض ونقص، وهو في غاية الإيذاء والإيلام للنفس، ومن


(١) فتح الباري (١/ ١٤١).

<<  <   >  >>