للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث السابع: لبس الحق بالباطل وكتمانه]

من آثار الخلل في أعمال القلب لبس الباطل بالحق؛ لأجل أن يجد قبولًا عند الناس، أو أنه يكتم الحق؛ لأجل الحصول على مكاسب دنيوية، أو لأجل أن يتزلف إلى من يريد الحظوة عندهم، أو يستسلم لضغط الواقع تحت سياط هزيمة النفس من الأعداء، وهذا الأمر من لبس الحق بالباطل وكتمانه من أخطر الصفات على الداعية التي ينبغي عليه الحذر منها أشد الحذر، وأن يحاسب نفسه عليها محاسبة دقيقة؛ لأنها من أخبث صفات المغضوب عليهم، ولهذا قال بعض السلف: "من فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود" (١)، وقد قال -سبحانه وتعالى- في ذكر صفتهم: {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: ٤٢].

قال السعدي رحمه الله: "ثم قال: {وَلَا تَلْبِسُوا} أي: تخلطوا {الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ} فنهاهم عن شيئين: عن خلط الحق بالباطل، وكتمان الحق؛ لأن المقصود من أهل الكتب والعلم تمييز الحق، وإظهار الحق؛ ليهتدي بذلك المهتدون، ويرجع الضالون، وتقوم الحجة على المعاندين؛ لأن الله فصل آياته وأوضح بيناته؛ ليميز الحق من الباطل، ولتستبين سبيل المهتدين من سبيل المجرمين، فمن عمل بهذا من أهل العلم، فهو من خلفاء الرسل وهداة الأمم.

ومن لبس الحق بالباطل، فلم يميز هذا من هذا، مع علمه بذلك، وكتم الحق الذي يعلمه وأمر بإظهاره، فهو من دعاة جهنم؛ لأن الناس لا يقتدون في أمر دينهم


(١) ينظر: البداية والنهاية (١٩/ ٤٢) فقد نقله عن سفيان بن عيينة رحمه الله.

<<  <   >  >>