للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بغير علمائهم، فاختاروا لأنفسكم إحدى الحالتين" (١).

ووجه الله الخطاب لأهل الكتاب موبخًا لهم في إضلالهم الناس بخلط الحق بالباطل، وكتمان الحق وهم يعلمون، وفي ذلك تحذير لمن يدعون الناس ويعلمونهم أن يسلكوا مسلكهم، فقال تعالى: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [آل عمران: ٧١]، وقال السعدي رحمه الله في معنى الآية: "فوبخهم على لبس الحق بالباطل وعلى كتمان الحق؛ لأنهم بهذين الأمرين يضلون من انتسب إليهم، فإن العلماء إذا لبسوا الحق بالباطل فلم يميزوا بينهما، بل أبقوا الأمر مبهمًا وكتموا الحق الذي يجب عليهم إظهاره، ترتب على ذلك من خفاء الحق وظهور الباطل ما ترتب، ولم يهتد العوام الذين يريدون الحق لمعرفته حتى يؤثروه، والمقصود من أهل العلم أن يظهروا للناس الحق ويعلنوا به، ويميزوا الحق من الباطل، ويظهروا الخبيث من الطيب، والحلال والحرام، والعقائد الصحيحة من العقائد الفاسدة، ليهتدي المهتدون، ويرجع الضالون، وتقوم الحجة على المعاندين، قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ} [آل عمران: ١٨٧] " (٢).

من صور لبس الحق بالباطل أو كتمان الحق عند بعض الدعاة:

ولعل من أبرز صوره في هذا الزمن البحث عن الآراء الشاذة، وتتبع زلل العلماء وإبرازه للناس على أنه خلاف معتبر، ولي أعناق النصوص أو ردها بحجج واهية؛ لأجل اللبس على الناس لقبول هذا الرأي الشاذ، وفي المقابل كتمان القول الحق في المسألة أو رده؛ لأنه لا يوافق هواه أو هوى من يفتي لهم، وهذا من الرأي الذي جاء


(١) تفسير السعدي (٥١).
(٢) تفسير السعدي (١٣٤).

<<  <   >  >>