للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويقول الجنيد رحمه الله: "ما أخذنا التصوف عن القيل والقال، لكن عن الجوع وترك الدنيا وقطع المألوفات والمستحسنات" (١).

وفي الرد على هذا ما ورد من حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- في الاستعاذة بالله من الجوع، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: كَانَ رَسُولُ صَلَّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُوعِ؛ فَإِنَّهُ بِئْسَ الضَّجِيعُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخِيَانَةِ؛ فَإِنَّهَا بِئْسَتِ الْبِطَانَةُ» (٢).

فلو كان تعذيب الجسد بالجوع المجرد أمرًا مرغوبًا فيه لما تعوذ منه النبي -صلى الله عليه وسلم- ووصفه بأنه بئس الضجيع، ومعنى الضجيع: من ينام في فراشك، أي: بئس الصاحب الجوع؛ لأنه يعيق عن أداء العبادة على أكمل وجه، ويشوش الدماغ، ويثير الأفكار الفاسدة والخيالات الباطلة (٣).

وتعذيب الجسد ليس من منهج الإسلام، بل هو من المناهج الضالة، مستقى من صوفية الهنود ورهبانية النصارى.

[المسألة الخامسة عشرة: رد مجمل على ما ذكر من أقوال أهل التصوف في الزهد]

وإن الناظر إلى ما سبق من الأقوال ليظهر له بجلاء انحرافها عن المنهج الحق في الزهد، وأنها غلت في رهبانية لا يقرُّها الإسلام، وفيها مخالفة صريحة لنصوص الكتاب


(١) الرسالة القشيرية (١/ ٧٨).
(٢) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب في الاستعاذة (٢/ ٩١) ح (١٥٤٧)، والنسائي في كتاب الاستعاذة، باب الاستعاذة من الجوع (٨/ ٢٦٣) ح (٥٤٦٨)، وابن ماجه في كتاب الأطعمة، باب التعوذ من الجوع (٢/ ١١١٣) ح (٣٣٥٤)، وابن حبان في صحيحه في باب الاستعاذة، ذكر ما يستحب للمرء أن يتعوذ بالله جل وعلا من الجوع والخيانة (٣/ ٣٠٤) ح (١٠٢٩)، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (٣/ ١٥٥) ح (٣٠٠٢)، وقوى إسناده شعيب الأرناؤوط في تحقيقه لسنن أبي داود (٢/ ٦٤٦) ح (١٥٤٧).
(٣) ينظر: حاشية السندي على سنن ابن ماجه (٢/ ٣٢٢)، دار الجيل- بيروت بدون طبعة.

<<  <   >  >>