للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والسنة التي مر ذكر بعضها، والمتأمل في هذه الأقوال يرى تأثرها بفلسفات صوفية الهند (١)، وصوفية الفرس واليونان (٢).


(١) كالهندوسية والبوذية.
(٢) وتكلمت الموسوعة الميسرة عن أطوار الزهد عند الصوفية، وقسمته إلى ثلاث طبقات، ولكل طبقة سماتها ورجالها، ودونكها ملخصة:
ظهر في القرنين الثالث والرابع الهجري ثلاث طبقات من المنتسبين إلى التصوف وهي:
الطبقة الأولى: وتمثل التيار الذي اشتهر بالصدق في الزهد إلى حد الوساوس، والبعد عن الدنيا والانحراف في السلوك والعبادة على وجه يخالف ما كان عليه الصدر الأول من الرسول -صلى الله عليه وسلم- وصحابته بل وعن عبّاد القرن السابق له، ولكنه كان يغلب على أكثرهم الاستقامة في العقيدة، والإكثار من دعاوى التزام السنة ونهج السلف، وإن كان ورد عن بعضهم -مثل الجنيد- بعض العبارات التي عدها العلماء من الشطحات، ومن أشهر رموز هذا الطبقة: الجنيد، والداراني، وسهل التستري، والسري السقطي، ومعروف الكرخي، وأتى بعدهم ممن سار على طريقتهم مثل: أبي عبد الرحمن السلمي ..
وقد اشترطوا على من يريد السير معهم في طريقتهم أن يَخرُجَ من ماله، وأن يُقلَّ من غذائه، وأن يترك الزواج ما دام في سلوكه.
كثر الاهتمام بالوعظ والقصص مع قلة العلم والفقه والتحذير من تحصيلهما في الوقت الذي اقتدى أكثرهم بسلوكيات رهبان ونُسَّاك أهل الكتاب حيث حدث الالتقاء ببعضهم، مما زاد في البعد عن سمت الصحابة وأئمة التابعين.
الطبقة الثانية: خلطت الزهد بعبارات الباطنية، وانتقل فيها الزهد من الممارسة العملية والسلوك التطبيقي إلى مستوى التأمل التجريدي والكلام النظري، ولذلك ظهر في كلامهم مصطلحات: الوحدة، والفناء، والاتحاد، والحلول، والسكر، والصحو، والكشف، والبقاء، والمريد، والعارف، والأحوال، والمقامات، وشاع بينهم التفرقة بين الشريعة والحقيقة، وتسمية أنفسهم أرباب الحقائق وأهل الباطن، وسموا غيرهم من الفقهاء أهل الظاهر والرسوم مما زاد العداء بينهما، وغير ذلك مما كان غير معروف عند السلف الصالح من أصحاب القرون المفضلة ولا عند الطبقة الأولى من المنتسبين إلى الصوفية، مما زاد في انحرافها، فكانت بحق تمثل البداية الفعلية لما صار عليه تيار التصوف حتى الآن.
ومن أشهر أعلام هذه الطبقة: أبو يزيد البسطامي ت ٢٦٣ هـ، ذو النون المصري ت ٢٤٥ هـ، الحلاج ت ٣٠٩ هـ، أبو سعيد الخزار ٢٧٧ - ٢٨٦ هـ، الحكيم الترمذي ت ٣٢٠ هـ، أبو بكر الشبلي ٣٣٤ هـ.
الطبقة الثالثة: وفيها اختلط التصوف بالفلسفة اليونانية، وظهرت أفكار الحلول والاتحاد ووحدة الوجود، على أن الموجود الحق هو الله، وما عداه فإنها صور زائفة وأوهام وخيالات موافقة لقول الفلاسفة، كما أثرت في ظهور نظريات الفيض والإشراق على يد الغزالي والسهروردي. وبذلك تعد هذه الطبقة من أخطر الطبقات والمراحل التي مر بها التصوف والتي تعدت به مرحلة البدع العملية إلى البدع العلمية التي بها يخرج التصوف عن الإسلام بالكلية.
ومن أشهر رموز هذه الطبقة: الحلاج ت ٣٠٩ هـ، السهروردي ٥٨٧ هـ، ابن عربي ت ٦٣٨ هـ، ابن الفارض ٦٣٢ هـ، ابن سبعين ت ٦٦٧ هـ.
ينظر: الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة (١/ ٢٥٢ - ٢٥٦).

<<  <   >  >>