للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٤ - كثرة تتابع الذنوب على القلب، مع الإصرار على الذنب وعدم الاستغفار والتوبة، قال تعالى: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: ١٤].

وقد فسر النبي -صلى الله عليه وسلم- الران بتتابع الذنوب على القلب، كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ، فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ صُقِلَ قَلْبُهُ، وَإِنْ زَادَ زَادَتْ، حَتَّى يَعْلُوَ قَلْبَهُ ذَاكَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللهُ -عز وجل- فِي الْقُرْآنِ: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: ١٤]».

وذكر ابن جرير رحمه الله عن الحسن رحمه الله في قوله: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: ١٤] قال: "الذنب على الذنب حتى يعمى القلب، فيموت" (١).

٥ - كثرة الأكل لا سيما أكل الحرام والمشتبهات، أما أكل الحرام فأثره على قسوة القلب كبير، فهو من أسبابها، وضرره عليه واضح بين، ويليه في الضرر أكل المشتبهات، وقد جاء في حديث النعمان بن بشير -رضي الله عنه- ذكر الحلال البين، والحرام البين، والمشتبه، ثم عقب -صلى الله عليه وسلم- بذكر أن الجسد في صلاحه وفساده مرتبط بالقلب، وفي ذلك إشارة إلى أن فساد القلب وقسوته مرتبط بالحرام البين، ويليه في الضرر أكل المشتبه والله أعلم، فقال -صلى الله عليه وسلم-: «الحَلَالُ بَيِّنٌ، وَالحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى المُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ، أَلَا وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً: إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ القَلْبُ».

وكثرة الأكل والإفراط في الشبع دائمًا -حتى من المباحات- يدخل في الإسراف


(١) تفسير الطبري (٢٤/ ٢٠١).

<<  <   >  >>