للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الثاني عشر: البخل والشح والعجز والكسل والجبن والهم والحزن]

هذه عقوبات يسلطها الله على من يشاء، ممن أعرضوا عن ذكره، قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: ١٢٤].

ولهذا كان -صلى الله عليه وسلم- يستعيذ بالله كثيرًا من هذه الآفات، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه-: أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ لِأَبِي طَلْحَةَ: «التَمِسْ غُلَامًا مِنْ غِلْمَانِكُمْ يَخْدُمُنِي حَتَّى أَخْرُجَ إِلَى خَيْبَرَ»، فَخَرَجَ بِي أَبُو طَلْحَةَ مُرْدِفِي وَأَنَا غُلَامٌ رَاهَقْتُ الحُلُمَ، فَكُنْتُ أَخْدُمُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا نَزَلَ، فَكُنْتُ أَسْمَعُهُ كَثِيرًا يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمِّ وَالحَزَنِ، وَالعَجْزِ وَالكَسَلِ، وَالبُخْلِ وَالجُبْنِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ» (١).

ولخص ابن حجر رحمه الله معنى الأربع الآفات الأولى فقال: "إن الهم لما يتصوره العقل من المكروه في الحال، والحزن لما وقع في الماضي، والعجز ضد الاقتدار، والكسل ضد النشاط، والبخل ضد الكرم، والجبن ضد الشجاعة" (٢). ثم ذكر رحمه الله معنى بقية الآفات، فقال: "قوله: «وَضَلَعِ الدَّيْنِ» أصل الضَّلَع وهو بفتح المعجمة واللام الاعوجاج يقال: ضلع بفتح اللام يضلع أي: مال، والمراد به هنا: ثقل الدَّين وشدته، وذلك حيث لا يجد من عليه الدين وفاء، ولا سيما مع المطالبة، وقال بعض السلف: ما دخل هم الدين قلبًا إلا أذهب من العقل ما لا يعود إليه (٣).


(١) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب من غزا بصبي للخدمة (٤/ ٣٦) ح (٢٨٩٣).
(٢) فتح الباري (١١/ ١٧٨).
(٣) وهذه المقولة عن السلف نقلها أيضاً شيخ ابن حجر ابن الملقن في كتابه التوضيح لشرح الجامع الصحيح (٢٩/ ٢٩٨)، ت: دار الفلاح للبحث العلمي وتحقيق التراث، وقام على تحقيقه مجموعة من محققي الدار، الناشر: دار النوادر، دمشق، سوريا، ط ١، ١٤٢٩ هـ.

<<  <   >  >>