للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وما حرموا من العقل العالي، فعرفوا أن الأمر لله، والحكم له في عباده، وإن هو إلا توفيقه وخذلانه، فخافوا ربهم، وسألوه أن يتم لهم ما وهبهم من نور العقول والإيمان حتى يصلوا إليه، ويحلوا بساحته، وهذه الأمور لو قارنها الإيمان وبنيت عليه؛ لأثمرت الرقي العالي والحياة الطيبة، ولكنها لما بني كثير منها على الإلحاد لم تثمر إلا هبوط الأخلاق وأسباب الفناء والتدمير" (١).

[أسباب الغفلة عن الآخرة]

وأسباب الغفلة عن الآخرة لا تخرج عن سببين عظمين، ذكرهما الله في كتابه، فقال تعالى: {إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [لقمان: ٣٣]، وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (٥) إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر: ٥، ٦].

وبيّن الله في هذه الآيات أن ما يغر الناس ويخدعهم ويجعلهم في غفلة عن الآخرة لا يخرج عن سببين عظمين، وبقية الأسباب تندرج تحتهما، وهما:

السبب الأول: الاغترار بزينة الحياة الدنيا ولذاتها وشهواتها المزينة، ومتعها التي تغر النفوس التي ضعف إيمانها بالغيب، وتعلقت بالمتاع المادي المحسوس، قال تعالى في التحذير من ذلك: {فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} [فاطر: ٥]، وقال تعالى: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران: ١٨٥]، وقال تعالى: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [الأنعام: ٣٢].


(١) تفسير السعدي (٦٣٧).

<<  <   >  >>