للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم جعل أبو عبد الله يلاحظ الرجل، فلما لم يسأله قال له أبو عبد الله: ألك حاجة؟ فقال: تُعلِّمني مما عَلّمك الله، فقال: فدخل إلى منزله فأخرج كتبًا وقال له: ادنُه، فَجعل يُملي عليه، ثم يقول للرجل: اقرأ ما كتبتَ" (١).

إن المتأمل في هذا الموقف العظيم النبيل مع هذا الطالب للعلم الغريب يخرج ببعض اللفتات التربوية منها:

[١ - حسن الأسلوب في تصريفه للطالب الذي معه، ويظهر فيه حرصه عليه وشفقته على طلابه.]

وهذا موقف آخر يصبُّ في هذا الاتجاه، يظهر حرص المعلم على طلابه وتربيته لهم على الشفقة بالمتعلمين: يروي ابن الجوزي هذا الموقف فيقول: "قال هارون بن عبد الله الحمال (٢): جاءني أحمد بن حنبل بالليل، فدق الباب عليّ، فقلت: من هذا؟ فقال: أنا أحمد، فبادرت إليه فمسَّاني ومسَّيته، قلت: حاجة يا أبا عبد الله؟ قال: نعم، شغلت اليوم قلبي، قلت: بماذا يا أبا عبد الله؟ قال: جزت عليك اليوم وأنت قاعد تحدث الناس في الفيء، والناس في الشمس بأيديهم الأقلام والدفاتر، لا تفعل مرَّةً أخرى، إذا قعدتَ فاقعد مع الناس" (٣).

٢ - عدم احتقار المتعلم مهما كان مظهره، فالعبرة ليست بالظواهر، وإنما بحقائق ما في القلوب التي لا يعلمها إلا الله، والتي هي محل نظره -سبحانه وتعالى-، فكم من طالب لا يُلتفت إليه ولا يُؤبَه به في أعين ضعاف البصيرة، صار بعد ذلك إمامًا يُشار له


(١) مناقب الإمام أحمد (٢٦٠).
(٢) هارون بن عبد الله بن مروان أبو موسى البزاز المعروف بالحمال، وكان الإمام أحمد رحمه الله يكرمه ويعرف حقه وقِدَمَه وجلالته، وكان ثقة حافظًا، عارفًا. مات رحمه الله سنة (٢٤٣ هـ).
ينظر: تاريخ بغداد (١٦/ ٣١)، طبقات الحنابلة (١/ ٣٩٦).
(٣) مناقب الإمام أحمد (٣٠١).

<<  <   >  >>