للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بضوء القمر بدرًا، فيبدد الله بهم ظلام الجهل، ويكشف عوار البدع، ويحيي بهم معالم السنة، وقد كان الإمام أحمد رحمه الله أحد هذه البدور الساطعة التي أضاءَت للأمة دربها، حينما كادت تعصف بها رياح البدع والأهواء، فيقول رحمه الله عن صفة هؤلاء العلماء المصلحين في أول كتابه في الرد على الزنادقة والجهمية: "الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم، يدعون من ضلَّ إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصِّرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه! وكم من ضالٍّ تائه قد هدوه! فما أحسن أثرهم على الناس! وأقبح أثر الناس عليهم!

ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، الذين عقدوا ألوية البدع، وأطلقوا عقال الفتنة، فهم مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب، مجمعون على مفارقة الكتاب، يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم.

يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جهال الناس بما يشبّهون عليهم، فنعوذ بالله من فتن الضالين" (١).

ويروي ابن الجوزي هذه الحادثة عن الإمام أحمد، يظهر منها اهتمامه بطالب العلم، وبالأخص الغريب؛ لأنه قد لا يُؤبَه به، لكن هذا لا يحصل عند العلماء الربانيين، فيقول أبو بكر المروذي: "رأيت أبا العلاء الخادم (٢) قد جاء إلى أبي عبد الله، وكان شيخًا مُشمّرًا يشبه القراء متواضعًا، فاستأذن على أبي عبد الله، فخرج إليه، وإذا في المسجد رجلٌ غريب عليه أطمار (٣) ومعه محبرة، فلما قعد أبو عبد الله حانت منه التفاتة فرأى الرجل، فقال لأبي العلاء: لا يشتدّ عليك الحرّ، فقام.


(١) الرد على الجهمية والزنادقة (٥٥ - ٥٧) للإمام أحمد، ت: صبري بن سلامة شاهين، دار الثبات، ط ١.
(٢) لم أعثر له على ترجمة.
(٣) الأطمار: جمع طِمْرٍ أي: الثوب الخَلِق البالي. ينظر: تهذيب اللغة (١٣/ ٢٣٣)، لسان العرب (٤/ ٥٠٣)، المعجم الوسيط (٢/ ٥٦٥) مادة (طمر).

<<  <   >  >>