للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"المحن" لأبي العرب (١) وغيره لم ير عالِمًا لحِقَه من صنوف الأذية من سجن وغيره مثل شيخ الإسلام رحمه الله.

لما بلغ رحمه الله تعالى الثانية والثلاثين من عمره وبعد عودته من حجته بدأ تعرُّضه رحمه الله تعالى لأخبئة السجون، وبلايا الاعتقال، والترسيم عليه: الإقامة الجبرية (٢) خلال أربعة وثلاثين عامًا، ابتداء من عام ٦٩٣ هـ إلى يوم وفاته في سجن القلعة بدمشق يوم الاثنين ٢٠/ ١١/ ٧٢٨ هـ، وكان سجنه سبع مرات: أربعٌ بمصر بالقاهرة وبالإسكندرية، وثلاث مرات بدمشق، وجميعها نحو خمس سنين، وجميعها كذلك باستعداء السلطة عليه من خصومه الذين نابذ ما هم عليه في الاعتقاد والسلوك والتمذهب، عسى أن يفتر عنهم، وأن يقصر لسانه وقلمه عَمَّا هم عليه، لكنه لا يرجع" (٣).

[المطلب الرابع: أثر عمل القلب على حسن خلقه، وعفوه عمن آذوه]

يقول ابن القيم رحمه الله عن شيخه وشدة تواضعه وهضمه لنفسه: "ولقد شاهدت من شيخ الإسلام ابن تيمية -قدس الله روحه- من ذلك أمرًا لم أشاهده من


(١) العلامة، المفتي، ذو الفنون، أبو العرب محمد بن أحمد بن تميم بن تمام المغربي، الإفريقي. وكان فيما قال القاضي عياض: حافظًا للمذهب، مفتيًا، غلب عليه علم الحديث والرجال، وصنف طبقات أهل إفريقية، وكتاب المحن، وكتاب فضائل مالك، وغيرها، توفي رحمه الله سنة (٣٣٣ هـ).
ينظر: ترتيب المدارك وتقريب المسالك (٥/ ٣٢٣) للقاضي عياض، ت: ابن تاويت الطنجي وآخرين، مطبعة فضالة المغرب، ط ١، سير أعلام النبلاء (١٥/ ٣٩٤)، الأعلام (٥/ ٣٠٩).
وكتاب المحن ذكر فيه ما حصل من محن على أهل العلم وغيرهم من قتل وسجن وهروب ونحو ذلك من أصناف المحن. وطبع الكتاب عدة طبعات منها: بدار العلوم الرياض السعودية، الطبعة: الأولى، ١٤٠٤ هـ-١٩٨٤ م، وقام بتحقيقه الدكتور: عمر سليمان العقيلي.
(٢) وهي إحدى العقوبات التي تقيد بها حرية الإنسان فلا يخرج من منزله، وتسمى الحبس المنزلي والاحتجاز.
ينظر: الموسوعة الحرة على الشبكة.
(٣) مقدمة الجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية خلال سبعة قرون (٢٧ - ٢٨).

<<  <   >  >>