للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

غيره، وكان يقول كثيرًا: ما لي شيء، ولا مني شيء، ولا في شيء، وكان كثيرًا ما يتمثل بهذا البيت:

أَنَا الْمُكَدِّي (١) وَابْنُ الْمُكَدِّي وَهَكَذَا كَانَ أَبِي وَجَدِّي (٢)

وكان إذا أُثنِيَ عليه في وجهه يقول: والله، إني إلى الآن أجدِّد إسلامي كلَّ وقت، وما أسلمت بعد إسلامًا جيِّدًا.

وبعث إليَّ في آخر عمره قاعدة في التفسير بخطِّه، وعلى ظهرها أبيات بخطِّه من نظمه:

أَنَا الْفَقِيرُ إِلَى رَبِّ الْبَرِيَّاتِ … أَنَا الْمُسَيْكِينُ فِي مَجْمُوعِ حَالَاتِي" (٣).

ومن أعظم الدلائل على سلامة القلب مقابلة الإساءة بالإحسان، قال تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت: ٣٤].

وتكلم ابن القيم عن مقابلة الإساءة بالإحسان ثم قال: "ومن أراد فهم هذه الدرجة كما ينبغي فلينظر إلى سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- مع الناس يجدها هذه بعينها. ولم يكن كمال هذه الدرجة لأحد سواه، ثم للورثة منها بحسب سهامهم من التركة. وما رأيت أحدًا قط أجمع لهذه الخصال من شيخ الإسلام ابن تيمية -قدس الله روحه- وكان بعض أصحابه الأكابر يقول: وددت أني لأصحابي مثله لأعدائه وخصومه.

وما رأيته يدعو على أحد منهم قط، وكان يدعو لهم.


(١) هناك أقوال كثيرة في معنى المكدّي، وأنسبها عندي هو تعليق محقق كتاب البرصان والعرجان والعميان والحولان، والكتاب للجاحظ، ومحققه عبد السلام هارون، قال في معنى المكدّي (٣٦٥): "الملحّ في السؤال. يقال أكدى: ألح في المسألة". والكتاب من مطبوعات دار الجيل بيروت، ط ١، ١٤١٠ هـ.
(٢) لم أعثر على قائل للبيت، وقد يكون من نظم الشيخ، والله أعلم.
(٣) مدارج السالكين (١/ ٥٢٠) وبعد هذا البيت ذكر عدة أبيات.

<<  <   >  >>