للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجئت يومًا مبشرًا له بموت أكبر أعدائه، وأشدهم عداوة وأذى له، فنهرني وتنكَّر لي واسترجع، ثم قام من فوره إلى بيت أهله فعزاهم، وقال: إني لكم مكانَه، ولا يكون لكم أمر تحتاجون فيه إلى مساعدة إلا وساعدتكم فيه، ونحو هذا من الكلام، فسُرُّوا به ودعوا له، وعظموا هذه الحال منه. فرحمه الله ورضي عنه" (١).

وفي إحدى المرات التي سجن فيها، وكان مما جرى فيها أن الشرف عبد الله (٢) أخا شيخ الإسلام ابتهل ودعا الله عليهم، فمنعه الشيخ وقال له: "بل قل: اللَّهمَّ هَب لهم نورًا يهتدون به إلى الحق" (٣).

وعلَّق العلامة بكر أبو زيد رحمه الله على هذا الموقف بقوله: "فلِلَّه ما أعظمه من أدب جم! وما أعظمه من خلق رفيع، وهضم للنفس، وبحث عن الحق! وإن هذه -وايم الله- فائدة تساوي رحلة، وأين هذه من حالنا إذا نيل من الواحد شيء غضب وسخط، وجلب أنواع الدعاء على عدوه؟! فاللهم اجعل لنا ولمن آذانا فيك نورًا نهتدي به إلى الحق" (٤).

ويقول ابن كثير رحمه الله: "وسمعت الشيخ تقي الدين يذكر ما كان بينه وبين السلطان (٥) من الكلام لما انفردا في ذلك الشباك الذي جلسا فيه، وأن السلطان


(١) مدارج السالكين (٢/ ٣٢٨ - ٣٢٩).
(٢) الإمام العلامة عبد الله بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن خضر بن تيمية الحراني شرف الدين أخو الشيخ تقي الدين، تفقه ودرس ولم يشتغل بالتصنيف، وكان أخوه يكرمه ويعظمه، مات عليه رحمة الله سنة (٧٢٧ هـ) قبل أخيه بسنة.
ينظر: المعجم المختص بالمحدثين (١٢١) للذهبي، ت: د. محمد الهيلة، مكتبة الصديق الطائف، ط ١، ١٤٠٨ هـ، الوافي بالوفيات (١٧/ ١٢٦)، الدرر الكامنة (٣/ ٤٢).
(٣) ينظر: ذيل طبقات الحنابلة (٤/ ٥١٢).
(٤) مقدمة الجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية خلال سبعة قرون (٣٠).
(٥) هو الملك الناصر محمد بن قلاوون بن عبد الله الصالحي أبو الفتح: من كبار ملوك الدولة القلاوونية، توفي رحمه الله سنة (٧٤١ هـ).
ينظر: الدرر الكامنة (٥/ ٤٠٤)، البدر الطالع (٢/ ٢٣٦)، الأعلام (٧/ ١١).
وهو الذي في عهده أُكرِم شيخ الإسلام ابن تيمية.

<<  <   >  >>