للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: «يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ»، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ، فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟! قَالَ: «نَعَمْ؛ إِنَّ القُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ».

والحديث يدل على خوف النبي -صلى الله عليه وسلم- على أصحابه من تقلب القلوب، فكيف بمن عداهم؟!

٤ - أثر الفتن على القلب، فعن حذيفة -رضي الله عنه-، يَقُولُ -صلى الله عليه وسلم-: «تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ: عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا (١) كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا، لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ» (٢).

وفي هذا الحديث دليل على خطر الفتن على القلوب، وأنه ينبغي على الداعية أن يحذر على قلبه من فتن الشبهات والشهوات، ويحرص على سلامة قلبه من آثار الفتن بالحذر منها، والبعد عن مواطنها، ومحاسبة نفسه ومجاهدتها، والحرص على ملازمة الإيمان والتقوى، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الأنفال: ٢٩]، وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ


(١) مربادًّا من الرُبدَةِ: لَوْنٌ يميل إلى الغُبْرَة، وهو لون يخالط سواده كدرة غير حسنة.
ينظر: الصحاح (٢/ ٤٧٢)، مقاييس اللغة (٢/ ٤٧٥) مادة (ربد).
(٢) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان أن الإسلام بدأ غريبًا وسيعود غريبًا، وأنه يأرز بين المسجدين (١/ ١٢٨) ح (١٤٤).

<<  <   >  >>