للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما أهل العلم الراسخون فيه، الذين وصل العلم واليقين إلى أفئدتهم، فأثمر لهم العمل والمعارف، فيعلمون أن القرآن كله من عند الله، وأن كله حق، محكمه ومتشابهه، وأن الحق لا يتناقض ولا يختلف.

فلعلمهم أن المحكمات معناها في غاية الصراحة والبيان، يردون إليها المشتبه الذي تحصل فيه الحيرة لناقص العلم وناقص المعرفة، فيردون المتشابه إلى المحكم، فيعود كله محكمًا، ويقولون: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} للأمور النافعة والعلوم الصائبة، {وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} أي: أهل العقول الرزينة. ففي هذا دليل على أن هذا من علامة أولي الألباب، وأن اتباع المتشابه من أوصاف أهل الآراء السقيمة والعقول الواهية والقصود السيئة" (١).

٤ - ومما يدل على خطر آفات القلوب أن مما صد القوم عن التوحيد وجعل قلوبهم تستنكره عدم إيمانهم بالآخرة، ووجود آفة الكبر في قلوبهم:

قال تعالى: {إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ} [النحل: ٢٢].

قال ابن جرير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية: "يقول تعالى ذكره: معبودكم الذي يستحق عليكم العبادة وإفراد الطاعة له دون سائر الأشياء معبود واحد؛ لأنه لا تصلح العبادة إلا له، فأفردوا له الطاعة، وأخلصوا له العبادة، ولا تجعلوا معه شريكًا سواه، {فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ} [النحل: ٢٢]، يقول تعالى ذكره: فالذين لا يصدقون بوعد الله ووعيده ولا يقرون بالمعاد إليه بعد الممات {قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ} [النحل: ٢٢]، يقول تعالى ذكره: مستنكرة لما نقص عليهم من


(١) تفسير السعدي (٩٦٢).

<<  <   >  >>