للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد حذَّر -صلى الله عليه وسلم- منهم أمته، فعن عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: تَلَا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} [آل عمران: ٧]، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: «إِذَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّى اللهُ فَاحْذَرُوهُمْ» (١).

قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره: "ولهذا قال تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ} أي: ضلال وخروج عن الحق إلى الباطل، {فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} أي: إنما يأخذون منه بالمتشابه الذي يمكنهم أن يحرفوه إلى مقاصدهم الفاسدة، وينزلوه عليها، لاحتمال لفظه لما يصرفونه، فأما المحكم فلا نصيب لهم فيه؛ لأنه دامغ لهم وحجة عليهم، ولهذا قال: {ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ} أي: الإضلال لأتباعهم، إيهامًا لهم أنهم يحتجون على بدعتهم بالقرآن، وهذا حجة عليهم لا لهم" (٢).

وقال السعدي رحمه الله في تفسيره لآية آل عمران: "وأن هذا الكتاب يحتوي على المحكم الواضح المعاني البين، الذي لا يشتبه بغيره، ومنه آيات متشابهات، تحتمل بعض المعاني، ولا يتعين منها واحد من الاحتمالين بمجردها، حتى تضم إلى المحكم، فالذين في قلوبهم مرض وزيغ وانحراف -لسوء قصدهم- يتبعون المتشابه منه، فيستدلون به على مقالاتهم الباطلة وآرائهم الزائفة، طلبًا للفتنة، وتحريفًا لكتابه، وتأويلًا له على مشاربهم ومذاهبهم ليَضِلوا ويُضِلوا.


(١) أخرجه البخاري في كتاب تفسير القرآن، باب {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} [آل عمران: ٧] (٦/ ٣٣) ح (٤٥٤٧)، ومسلم في كتاب العلم، باب النهي عن اتباع متشابه القرآن، والتحذير من متبعيه، والنهي عن الاختلاف في القرآن (٤/ ٢٠٥٣) ح (٢٦٦٥).
(٢) تفسير ابن كثير (٢/ ٨).

<<  <   >  >>