للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: "حَدِّثِ الْقَوْمَ مَا حَدَجُوكَ (١) بِأَبْصَارِهِمْ، وَأَقْبَلَتْ عَلَيْكَ قُلُوبُهُمْ، فَإِذَا انْصَرَفَتْ عَنْكَ قُلُوبُهُمْ، فَلا تُحَدِّثْهُمْ"، قِيلَ: وَمَا عَلامَةُ ذَلِكَ؟ قَالَ: "إِذَا الْتَفَتَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، وَرَأَيْتَهُمْ يَتَثَاءَبُونَ، فَلا تُحَدِّثْهُمْ" (٢).

وَعَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «حَدِّثِ النَّاسَ كُلَّ جُمُعَةٍ مَرَّةً، فَإِنْ أَبَيْتَ فَمَرَّتَيْنِ، فَإِنْ أَكْثَرْتَ، فَثَلاثَ مَرَّاتٍ، وَلا تُمِلَّ النَّاسَ هَذَا الْقُرْآنَ، وَلا أُلْفِيَنَّكَ تَأْتِي الْقَوْمَ وَهُمْ فِي حَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِهِمْ، فَتَقُصُّ عَلَيْهِمْ، فَتَقْطَعُ عَلَيْهِمْ حَدِيثَهُمْ، فَتُمِلَّهُمْ، وَلَكِنْ أَنْصِتْ، فَإِذَا أَمَرُوكَ، فَحَدِّثْهُمْ وَهُمْ يَشْتَهُونَهُ» (٣).

سابعًا: الأصل التعريض لا التصريح:

ومعنى التعريض: خلا ف التصريح، وهو ما يفهم به السامع المراد من غير تصريح بالقول (٤).

والتعريض من الأساليب الحكيمة المؤثرة في النفوس التي يوفق الله لها أصحاب القلوب الرحيمة، فمن رزق هذا الأسلوب استطاع أن يغير في واقع المدعوين، وكسب قلوبهم، فأما أسلوب التصريح فإنه يؤدي إلى النفور من النصيحة، والتبجح بالمجاهرة، ويهيّج النفس على الإصرار والعناد. أما التعريض فإنه يستميل النفوس الفاضلة (٥)، ويكبح جماح نفور النفس، فتقبل على الدعوة راغبة طالبة؛ ولذا كان المنهج النبوي


(١) قال البغوي رحمه الله: "قوله: «حَدَجُوكَ بِأَبْصَارِهِمْ» أي: رموك بها، يريد: حدثهم ما داموا يشتهون حديثك، فإذا أعرضوا عنك، فاسكت". شرح السنة (١/ ٣١٤).
(٢) شرح السنة للبغوي (١/ ٣١٣).
(٣) شرح السنة (١/ ٣١٤).
(٤) ينظر: التعريفات (٦٢).
(٥) ينظر: مفهوم الحكمة في الدعوة (٤٢).

<<  <   >  >>