للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهكذا كان شيخ الإسلام رحمه الله تعالى، مجتنبًا الترفه في المعاش، وتطلب الملاذ، فما أحلاه من أدب.

- ولما سافر رحمه الله تعالى إلى مصر سنة ٧٠٠ هـ نزل عند عم تلميذه ابن فضل الله العُمَري (١)، وكان سفره للحض على الجهاد، فَرُتِّبَ له مرتب وأعطيات، فلم يقبل منها شيئًا.

فهل يعتبر من ابتلوا بالتسوّل على مستوى رفيع، ويتنمَّر على معارفه وإخوانه، والرفعاء منهم يعلمون أنه في الظاهر مطاع متبوع، وهو في الباطن عبد تابع ذليل مطيع. على أن الأرض لا تخلو من المتأسِّين بالصالحين، الذين تجردوا من هذه الحظوظ" (٢).

وينقل ابن القيم عن شيخه هذه الكلمات التي تدل على ثبات قلبه وشدة تعلقه بربه وبالدار الآخرة: "وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية -قدس الله روحه- يقول: إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة.

وقال لي مرة: ما يصنع أعدائي بي؟! أنا جنتي وبستاني في صدري، إن رحت فهي معي لا تفارقني؛ إن حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة.

وكان يقول في محبسه في القلعة: لو بذلت ملء هذه القاعة ذهبًا ما عدل عندي


(١) وابن فضل الله العمري هو أحمد بن يحيى بن فضل الله القرشي العدوي العُمَري، مؤرخ، حجة في معرفة الممالك والمسالك وخطوط الأقاليم والبلدان، إمام في الترسل والإنشاء، له الكثير من الكتب منها: مسالك الأبصار في ممالك الأمصار، فواضل السمر في فضائل آل عمر، وغير ذلك، توفي سنة (٧٤٩ هـ) عليه رحمة الله.
ينظر: الدرر الكامنة (١/ ٣٩٣)، الأعلام للزركلي (١/ ٢٦٨).
(٢) الجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية خلال سبعة قرون (٢٥ - ٢٧).

<<  <   >  >>