للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكما في حديث جبير بن مُطْعِمٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِالْخَيْفِ مِنْ مِنًى، فَقَالَ: «نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي، فَبَلَّغَهَا، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ غَيْر فَقِيهٍ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ، ثَلَاثٌ لَا يُغَلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُؤْمِنٍ: إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ، وَالنَّصِيحَةُ لِوُلَاةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ؛ فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ» (١).

وقال ابن القيم رحمه الله معلقًا على هذا الحديث في بيان أثر هذه الأعمال على القلب: "أي: لا يبقى فيه غل، ولا يحمل الغل مع هذه الثلاثة، بل تنفي عنه غله، وتنقيه منه، وتخرجه عنه، فإن القلب يغل على الشرك أعظم غل، وكذلك يغل على الغش، وعلى خروجه عن جماعة المسلمين بالبدعة والضلالة، فهذه الثلاثة تملؤه غلًّا ودغلًا (٢)، ودواء هذا الغل واستخراج أخلاطه بتجريد الإخلاص والنصح، ومتابعة السنة" (٣).

وإذا تحققت هذه الأعمال الثلاثة من: الإخلاص لله، ومناصحة ولاة الأمر، وعدم الخروج على جماعة المسلمين وإمامهم، وجاهد الداعية نفسه على الالتزام بهذه الخصال العظيمة، سلم له قلبه من مرض الغل الذي يستغله الشيطان في حرف الداعية عن المنهج الصحيح منهج أهل السنة والجماعة؛ ليوقعه في طرق البدعة، فيجر


(١) أخرجه أحمد في المسند (٢٧/ ٣٠٠) ح (١٦٧٣٨)، وابن ماجه واللفظ له في كتاب المناسك، باب الخطبة يوم النحر (٢/ ١٠١٥) ح (٣٠٥٦)، والحاكم في المستدرك في كتاب العلم (١/ ١٦٢) ح (٢٩٤) وصححه ووافقه الذهبي، وقال في مجمع الزوائد في كتاب العلم، باب في سماع الحديث وتبليغه (١/ ١٣٩) ح (٥٩٣): "وفي إسناده ابن إسحاق عن الزهري، وهو مدلس، وله طريق عن صالح بن كيسان عن الزهري، ورجالها موثقون"، وصححه الألباني في صحيح الجامع (٢/ ١١٤٥) ح (٦٧٦٦)، وقال محقق المسند (٢٧/ ٣٠١) ح (١٦٧٣٨): "حديث صحيح لغيره".
(٢) الدغل: عيب وفساد في الشيء.
ينظر: الصحاح (٤/ ١٦٩٧)، مقاييس اللغة (٢/ ٢٨٤)، المعجم الوسيط (١/ ٢٨٨) مادة (دغل).
والمقصود هنا أن هذه الأمور الثلاثة التي ذكرها الحديث إذا وجدت في القلب دب إليه الفساد، وانطوى على العيوب، والله أعلم.
(٣) مدارج السالكين (٢/ ٨٩ - ٩٠).

<<  <   >  >>