للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عوائل محتاجة، ولم يكن أحد يعلم بذلك (١).

مثال على تواضعه رحمه الله: فقد ضرب أروع الأمثلة في التواضع، وإنك حينما تقرأ هذه النماذج من حياة هذا الرجل؛ لتذكرك بحياة السلف الأول عليهم رحمة الله، ودونك صورة من ذلك كما يرويها من حصلت معه، وهو الأخ يوسف محمد الكندري (٢)، يقول: "قبل عشر سنوات تقريبًا (٣) كان أول سفرة لي إلى إفريقيا بصحبة السميط عليه رحمة الله، فقال لي: بما أن هذه هي أول مرة تسافر فيها معي، فأنت في ضيافتي طوال هذه الرحلة، ولكن بشروطي، فأجبته قائلًا: أقبل بشروطك حتى قبل أن أعرفها، فزجرني وعنفني وهو يقول: لا توافق على شيء قبل أن تعرف شروطه .. فكان هذا أول درس أتعلمه منه رحمه الله، أتدرون ماذا كان شروطه؟

قال لي: أنت ضيفي، فلا تطبخ، ولا تغسل، ولا تجلب شيئًا لنفسك، حتى ملابسك أنا أغسلها لك، وأقوم بخدمتك ما دمت في ضيافتي، فإفريقيا بيتي، وكل قادم إليها عن طريقي فهو ضيفي حتى يرجع إلى أهله.

دهشت مما سمعته منه، ولكني تمالكت نفسي، وقلت: يا شيخي، ألازمك في الكويت كل الأوقات أكثر مما يلازمك أبناؤك، وهنا تجعلني ضيفًا عليك، فكيف يستقيم أن يخدم والد ابنه؟!

ضحك السميط رحمه الله كثيرًا ثم قال لي: لقد قلت منذ قليل أن تقبل كل شروطي، فلا مجال للتراجع الآن. وقد كان ما أراد رحمه الله تعالى، فكان يطبخ ويغسل الأواني والملابس، ويكنس الدار بنفسه، وهو سعيد بما يفعل .. وفي أحد الأيام قمت بغسل الأواني بعد وجبة الغداء، وعندما علم بذلك، أمرني بالعودة إلى الكويت، لأنني


(١) ينظر: عبد الرحمن السميط أسطورة العمل الإغاثي (٤٩).
(٢) وهو رئيس قسم المخازن والمشتريات بجمعية العون المباشر.
(٣) وكانت هذه المقالة في عام ١٤٣٥ هـ، بعد عام من وفاة السميط رحمه الله.

<<  <   >  >>